التَّكاتُف.. و ليسَ.. التَّخالُف..

التَّكاتُف.. و ليسَ..
التَّخالُف..

أ. د.ضياء واجد المهندس

 

 

سألَت إحدى الطالبات عالمةَ الأنثروبولوجيا مارغريت ميد، ذات مرةٍ، عما تعتبره أول علامة على الحضارة في ثقافة ما. توقَّعت الطالبة أن تتحدثَ عالمة الأنثروبولوجيا عن الفؤوس، أو الأواني الفخارية، أو الأحجار ، لكن قالت ميد: إن أول علامة على الحضارة في ثقافة قديمة هي إثبات وجود شخص شُفيَ من كسر في عظم الفخذ.
أوضحت ميد أنه في مملكة الحيوان، إذا كسرت ساقك تموت. لا يمكنك الهروب من الخطر ، أو الذهاب إلى النهر لشرب الماء ، أو الصيد لإطعامك. تُصبِحُ لحمًا طازجًا للحيوانات المفترسة. لا ينجو أي حيوان من ساقه المكسورة لمدة كافية لشفاء العظم. إنَّ كسرَ عظم الفخذ الذي تمَّ شفاؤه دليل على أنَّ شخصًا ما قضى وقته في البقاء مع الشخص الذي سقط و جَبَّرَهُ، و وضَعَ الشخصَ في مكانٍ آمنٍ و اعتنى به حتى تعافى.
“مساعدة شخص ما في مواجهة الصعوبات هي نقطة انطلاق الحضارة “، الحضارة هي تكاتف المجتمع.

في عام 1974 كان مهاتير محمد ضيف شرف في حفل الأنشطة الختامية لمدارس «كوبانج باسو» في ماليزيا، وذلك قبل أن يُصبِحَ وزيرًا للتعليم في السنة التالية، ثُمَّ رئيسًا للوزراء عام 1981.
قام مهاتير في ذلك الحفل بطرح فكرة عمل مسابقة للمدرِّسين، و ليست للطلاب، و هي توزيع بالوناتٍ على كلِّ مدرِّسٍ، ثم طلب أن يأخذ كل مدرس بالونة و ينفخها، و من ثَمَّ يربطها في رجله، فعلًا قام كل مدرس بنفخ البالونة و ربطها في رجله.
جمع مهاتير جميع المدرسين في ساحة مستديرة و محدودة، وقال: لديَّ مجموعة من الجوائز، وسأبدأ من الآن بحساب دقيقة واحدة فقط، و بعد دقيقة سيأخذ كل مدرس مازال محتفظاً ببالونته جائزة!..
بدأ الوقت، وهجم الجميع بعضهم على بعض، كلٌّ منهم يريد تفجير بالونة الآخر، حتى انتهى الوقت!
وقف مهاتير بينهم مستغربًا،
و قال: لم أطلب من أحدٍ تفجير بالونة الآخر؟
و لو أنَّ كلَّ شخصٍ وقف من دون اتخاذ قرارٍ سَلبيٍّ ضدَّ الآخَرِ، لنالَ الجميعُ الجوائزَ، و لكنَّ التفكير َ السَّلبيَّ يطغى على الجميع، كلٌّ منَّا يُفكِّرُ في النجاح على حساب الآخرين.
مع أنَّ النجاحَ متاحٌ للجميع، ولكن للأ‌سف البعض يتَّجه نحو تدمير الآخر و هدمه لكي يحقِّق النجاح.
هذه – و للأسف – حقيقة موجودة في كلِّ أحزاب العراق و كتله السياسية و قادته .
إنَّ نجاحنا في قيادة العراق لا يستوجب فشل غيرنا .. كلما أحسنَّا نيَّتَنا في بناء البلد ، أحسنَ اللهُ حالَنا و رزقنا و غفر لنا! و كلما أزلنا الحسدَ من قلبنا و تمنَّينا الخيرَ لغيرنا من المنافسين السياسيين يوفقنا الله للخير و النجاح و العراق يسع الجميع بالمحبة و المساندة و التكاتف و ليس بالعداوة و الاختلاف و التخالف .

ربنا ارزقنا قلوبًا صافيةً لا تحقِد..
و نفوسًا صادقةً لا تحسد..

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار