سُفرة أم سَفرة الى الله؟!!

سُفرة أم سَفرة الى الله؟!!

أمل هاني الياسري

(أنا ضمير منفصل يقع بين ثقة مفرطة، أو نرجسية مفرطة) وبغضّ النظر عن قائلها أو كاتبها، فكل ما لفت انتباهي هو: الضمير (أنا) وكأنني أشعر أن له حضوراً لافتاً، لقوة الخيال، وعمق المعنى، ورقة الإحساس، وبما أن شهر رمضان المبارك على الأبواب، سيرتفع هرمون (أنا) عند الآباء الصائمين، ومقدار الإباء الذي سيتميزون به دون غيرهم، فالسُفرة عند بعضهم أهم من السَفرة مع الله في هذه الأيام المباركة!
يقول على الوردي:(الفقير الجائع يكاد لا يفهم الحقيقة إلا على شكل رغيف خبز) أما حقيقة ما يوضع على مائدة رمضان، فالجميع يتسابق في فنون الطبخ الشرقية والغربية، وترتفع نسب الصور المحملة، بأصناف الأطعمة الشهية على مواقع التواصل الاجتماعي، لنبتلع كل الغرور، والكِبر، والتباهي الذي نحمله بداخلنا، حتى مع وجود بعض المفطرين على هذه المائدة، التي تراودنا من سقف الطفولة، وحتى موعد الإفطار، فهل الصوم سَفرة أم سُفرة؟!!
نضيع أوقاتنا الثمينة من الشهر الفضيل، بالجلوس في المطبخ؛ لإرضاء الآخرين رغم الانتقاد، متوقعة أن تحصل الأم والزوجة، والأخت والبنت، على بعض المديح، لتفاصيل تهيئة مائدة شهر رمضان الكريم بما لذَّ وطاب، لكننا في الحقيقة لم نلتفت لحدائقنا الجافة، الخالية من العبادات المستحبة خلال الشهر، وما يتخلله من ممارسات روحانية كريمة، ناهيك عن صلة الرحم، وحضور المجالس القرآنية، والمحاضرات الدينية، وهذه بحق نِعمَ السَفرة مع والى الله!
الضمير (أنا) لا يوجد فجأة عند الإنسان بل نحن مَنْ نصنعه، فينمو عند بعضنا لابتعادنا عن جادة الصواب، والتهرب من حقيقة أن الجنة ليست رخيصة، لكنها سَفرة مجانية للجميع، فأبواب جهنم تغلق في هذا الشهر، وتقيد الشياطين بالأصفاد، ومع ذلك نجد البعض، يحبذون الخلط بين الَسفرة والسُفرة، أثناء الصيام والإفطار، فيختلط عمى بصره مع عمى بصيرته للأسف، وكأن ساعات الصوم مهنة لصناعة الهموم، والمِنة، والعصبية.
أعجبتني العبارة:(لا تستهن بالكتابة فقد تكون كلمتك التي تظنها ترفاً لغوياً إنعاشاً لقلب شخص يلفظ أنفاس رجائه) فلنجعل من حروفنا مواثيقاً لحرف الصاد:(صلاة، صوم، صدقة، صبر، صدق، صداقة، صلة رحم)، ولنتجنب مظاهر التاء المقرفة:(تجاهل فروض، تكبر، تذمر، تصارع، تجاوز، تمادي)، فمَنْ صام الشهر الكريم، صامت جوارحه وجوانحه، وبذلك تسرع الأم بتهيئة سُفرة رمضان بحب، ويقوم الأب بتهيئة سَفرة ما بعد الإفطار، ثم يجتمعون حول ضريح الشوق للقاء الله.
شهر رمضان سيأتي؛ ليمسح على قلوب الصائمين، المنتظرين لفرحة الإفطار، فلتتزاحم موائدنا بالعطاء والتعاون، والألفة والتسامح، ولتكن حقيقة أجواء الشهر الفضيل، بعيدة كل البعد عن الضمير السلبي (أنا)، ولنصنع من (نحن) باقة من الأطعمة المتواضعة؛ ليأكل فيها الفقير والغني معاً بلا حرج، وإذا كان بعضنا يصمت، فهذا لا يعني القبول دائماً، بهذا الإسراف في سُفرة رمضان، لكننا أحياناً نتعب من التفسير لأناس، لا تفهم معنى التعاون والتكافل، ومع ذلك نلتُ شرف محاولة هدم الحواجز الجاهلية بهذه الكلمات المتواضعة لعلها تنال القبول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار