حيا الله زوار ابو علي ..

حيا الله زوار ابو علي ..

سعيد البدري

من اجمل مشاهد زيارة الاربعين وابهاها رؤية كل ذلك النشاط والتنظيم الذي تشوبه روح التودد للزائرين وخدمتهم ، بل ان ارقى مظاهر الولاء والتقرب للحسين هي تكرار حالة المبالغة في التبجيل والاكرام ، مشاهد فنتازيا غير مألوفة الا في هذا الموسم وكأننا نعيش في عالم المثال وكل ما يرتبط به من قيم وسلوكيات تمثل مثالية ما يسرد من تصورات عن عالم مفترض ينتمي للمدينة الفاضلة .

في الاربعين يتسابق الحسينيون ويعطل قسم كبير منهم اعمالهم و مصالحهم وحتى مصادر معيشتهم ، ليعطوا العالم بأسره درسا في البذل والعطاء ، فتراهم اشد الناس حرصا على تقديم كل انواع الخدمات ،حتى تلك التي تعتبر خارج حدود الحاجات الاساسية مع كلمات خجل واعتذار بأن ما قدموه قليل بل اقل القليل ، ولأن مناسبة الاربعين ذات بعد عقائدي ينحصر في اتباع مدرسة اسلامية لها خصوصياتها وادبياتها كمدرسة التشيع رغم ما تعانيه من تشويه وحرب شعواء مفرادتها الدس والكذب والتدليس ،الا ان ذلك لم يكن مانعا في ان يكون لهذه الزيارة بعدا عالميا بعد وصولها لكل ارجاء المعمورة ،وكأن السر وراء انتشارها ذاته من يدعو اولئك الخائبين لحربها وخوفهم من ان كشف اسرار القائمين عليها وسجاياهم واخلاقهم فيفتضح امرهم ويعرف المغرر بهم من جمهورهم انهم مخدوعين ..
على مستوى الممارسة العقل الانساني يقف متحيرا في محاولته استيعاب ،مبررات واسباب هذا البذل والكرم والسخاء غير المعهود ، وهل يعد ميزة متأصلة ام صفة مكتسبة ،انفرد بها اهل العراق ،هذا السؤال المنطقي جدا يحتاج لأجابة ،خصوصا لمن لا يعرفون العراقيين وحضارتهم وقيمهم الاصيلة ، والذين ينظرون بدورهم لهذا النوع من الاسئلة و لمن يثيرها باستغراب يصل الى حد الاستهجان ،لاسباب معروفة لديهم تتعلق بتركيبتهموالاجتماعية هذا وثقافتهم وقيمهم المستمدة من ادبيات اسلامية ،وقيم عشائرية ترى في اكرام الضيف قيمة عليا لان للقاصد حق بقدر خطواته ومشقته ومن يقصده ..
وفي الوقت الذي نعذر من لا يفهم سجايا اهل هذا البلد فأننا نشكك بنوايا الداعين لاستيفاء ضريبة عبور او اجور على القادمين لاداء الزيارة في هذا الوقت وهذه المناسبة ،لأنهم يدركون ان ذلك يتقاطع مع وجهة نظر العراقي الموالي الخادم ،فقيرا كان او غنيا ، فهؤلاء ( الكرام ) الذين عهدناهم مبالغين باغداق كلمات الترحيب ل ( صاحب الخطوة ) في الظروف الطبيعية ويتحدثون بأن ( لكل قادم كرامة ) وهو يحل عندهم و ( يحول بديارهم ) فكيف اذا كان المقصود هو الامام الحسين عليه السلام ، وكيف يراد من شعب ان يتظاهر بالكبر و مقايسسه في التبجيل والكرامة هي الوصول لمرتبة الخادم الحقيقي ،والفخر كل الفخر حين يلقب احدهم ب ( خادم الحسين )، واني لأقسم انه لشعب يثير العجب ويسمو بأخلاقه فوق كل التصورات ، نعم لهذا الشعب الكبير بعطاءاته وليت من يناصبهم العداء يدرك درس الحسين العظيم ،الذي يكرم احبته الزائرين على حبه بلا حدود، ولست ابالغ ان قلت انهم لن يترددوا بتقديم هذه الخدمة لكل اهل الارض ان فكروا بالقدوم والمشاركة.
و لاغرابة ايضا ، ان يقف خدام الحسين دون حساب مستويات معيشتهم وثرائهم والدموع تملئ مقلهم الخجلى ،ولست اعلم اي حب اعظم واصدق من هذا الحب ،حين يبذلون ويقدم بعضهم بشغف وفرح كل ما يتمكنون من تأمينه ، في مشهد تحد غير مفهوم لكل نظريات الاقتصاد ،والاجتماع ، فبعض هولاء من الفقراء يستدينون وينفقون دون انتظار المقابل ولا حتى رد للجميل ،فالعوض عند الحسين وان قبل منهم فلا يهم ما يقال ويحدث بعد ذلك ، وليت اولئك الحمقى الداعرين المتباكين على الفقراء حين يدعون لوقف مجالس الحسين عليه السلام وتوزيع ما ينفق عليها للفقراء ، ليتهم ينظرون للامر من هذه الزاوية فهاهي موائد الفقراء قد مدت من اقصئ البصرة جنوبا لحدود معبر ابراهيم الخليل شمالا مصحوبة بعبارات الترحيب الحار ، نعن ليتهم يتركون عماهم ويجربوا فقط متابعة هذه المشاهد النادرة بدل سعيهم للكذب والتضليل.

صور مشرفة والالاف منها يتكرر يوميا ولمدة تتجاوز الثلاثة اسابيع كاملة متواصلة ، انضباط عال وتنظيم ذاتي، لا يمكن مشاهدته الا في الاربعين وخلفها قلوب حرى تلهج بدعوات صادقة ان يحفظ الله الزائرين ، نعم جهود جبارة وعمل دؤوب خلف الابواب المشرعة المرحبة. بالقادمين حيث تعمل عشرات الاف النساء بجد واجتهاد لاعداد وتجهيز كل شيء ، خدمات اثارت حنق الحاسدين الذين لم يطق بعضهم الصبر فراح يتهجم بخبث معهود على الزائرين من غير العراقيين
” اكل وشرب ونوم ونقل ببلاش ، يابه والله خدمة خمس نجوم”
اما نحن فنقول لكل الزائرين اهلا بكم في رحاب الاربعين حبا وكرامة واعتزاز يكنه لكم اهلكم في ارض الحسين ، نقولها ونرددها بلهجة خدام الحسين ” هلا بكل زاير من اي شعب و من اي بلد ومن اي جنسية ،صغارا كبارا ،رجالا ونساءا ولكل من يحملون صفة المواسين ، هلا بيكم منين ما جيتو وحيا الله زوار ابو علي ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار