الأميرُ . . و . . الحمارُ المستنيرُ .

الأميرُ . . و . . الحمارُ المستنيرُ .

ا . د . ضياءُ واجدْ المهندسُ .

 

 قالتْ لي خاچية : بعدُ شهرِ منْ سرقةِ حمارهِ ، أيقنَ جحا بأنَ عليهِ أنْ يشتريَ حمارا ” آخرا ” ، بالرغمِ منْ عدمِ امتلاكهِ النقودَ للشراءِ . اقترضَ جحا ( 100 ) درهمِ منْ صديقهِ ( البهلولْ ) ، وذهبَ إلى سوقِ الجمعةَ لبيعِ وشراءِ الحميرِ . لمْ يستطعْ جحا أنْ يشتريَ حمارا ” حتى المساءِ ، لأنَ أقلَ سعرٍ للحمارِ كانَ ( 1000 ) درهمٍ ، فجلسَ في ركنِ بجوارِ رجلٍ عجوزٍ كانَ لديهِ حمارٌ أبيضٌ مرقطٌ بقطعٍ منْ لونٍ رماديٍ في رقبتهِ ورجليهِ . سألَ جحا العجوزِ عنْ قصتهِ ، فأجابهُ : لدى هذا الحمارِ ، بعتهِ عشرِ مراتٍ ولكنهمْ أعادوهُ لي . . قالَ جحا : ما السببُ ؟ ! ! ! ! ! ! قالَ العجوزُ : أنَ الحمارَ أبله ، فهوَ احولَ ، لا يأكلُ مثل الحميرِ ، ولا يحملُ الأثقالَ مثل الحميرِ ، ولا يحفظُ الطريقَ مثلٍ الحميرِ ، وجئتُ اليومَ لأبيعهُ بأيَ سعرٍ ، على أنَ لا يعيدهُ لي منْ يشتريهُ . . قالَ جحا إلى العجوزِ : أني أملكُ ( 100 ) درهمٍ ، فهلْ تبيعهُ لي على أنَ لا أعيدهُ لكَ ؟ ؟ ؟ ؟ ! ! ! ! ! وافقَ العجوزُ ، وأعطى الحمارُ لجحا وذهبَ . . أخذُ جحا الحمارِ ، وهوَ يظنُ أنهُ بالإمكانِ تعليمَ الحمارِ على معرفةِ الطريقِ ، والجدُ في العملِ ، وتعويدهُ على الأكلِ مثلٍ الحميرِ . . عرجُ جحا بحمارهِ على ضفةِ نهرٍ ( دجلة ) لجلبِ الماءِ للحمارِ بسببِ حرارةِ أجواءِ بغدادَ الصيفيةِ ، ربطهُ بشكلٍ بسيطٍ على جذعِ نخلةٍ ، ونزلَ إلى الضفةِ ليبحثَ عنْ إناءٍ كانَ بالمعتادِ أنْ يتركوهُ عندَ كلِ شريعةٍ لإرواءِ الحيواناتِ . . عندما رجعَ جحا بالماءِ ، وجدَ أنَ الحمارَ هربَ بعدَ أنْ فكِ وثاقهِ . . حاولَ جحا أنْ يجدهُ لكنَ دونَ جدوى . . كانَ الحمارُ يهرولُ حتى وصلَ بالقربِ منْ سياجِ بستانِ الخليفةِ للزهورِ ، فتجاوزَ السياجُ ودخلَ يأكلُ أزهارَ البنفسجِ والفلِ والياسمينِ ، ولمْ يلاحظْ الحراسُ ما فعلهُ الحمارُ إلا عندَ الصباحِ . . استنفرَ رئيسُ الحراسِ كلَ الحرسِ للبحثِ عنْ صاحبِ الحمارِ ، خاصةُ وأنهمْ وجدوهُ لا يحفظُ الطريقَ ، وأخذوا يعلنونَ في الأحياءِ بواسطةٍ ( المنادي ) عنْ صاحبِ حمارٍ مفقودٍ لغرضِ استلامهِ . . ذهبَ جحا إلى ( دارُ الخلافةِ ) ، ، لأنهُ يعرفُ أنَ رئيسَ الحرسِ سيعرفهُ منْ سوقِ يومِ الجمعةِ الحميرَ ، ولتجنبَ العقوبةِ جراءَ ما فعلهُ الحمارُ ، ، التقى جحا برئيسِ الحرسِ ، و أبلغهُ بأنهُ خبيرٌ في الحميرِ ، وأنهُ يريدُ مقابلةَ أميرِ المؤمنينَ ( هارونْ الرشيدْ ) ليحدثهُ عنْ الحمارِ ( المبروكْ) . . بعدُ أيامٌ ، تمَ السماحُ لجحا بمقابلةِ الخليفةِ . . قالَ جحا : مولايَ ، أنَ الحمارَ الذي دخلَ بستانكمْ هوَ حمارٌ ( مبروك ) ، أرسلهُ اللهُ لكمْ ، لأنهُ منْ أبوينِ عاشوا معَ الجنِ والعفاريتِ ، أنهُ حمارُ مأمورٍ . فقالَ هارونْ الرشيدْ : وما دليلكَ على ذلكَ ؟ ؟ . . . قالَ جحا : إنهُ ليسَ كالحميرِ ، فهوَ لا يحفظُ الطريقَ والأثرَ ، ولا يأكلُ الأدغالَ والحشيشَ والخضرَ ، ولا يحملُ الأثقالَ والمتاعَ ومتطلباتِ السفرِ . . قالَ الأميرُ : وما برهانكَ على أنَ حماركَ مستنير ، يختلفَ عنْ كلِ الحميرِ ؟ ؟ ؟ ؟ ! ! ! قالَ جحا : إنهُ أنْ مررتهُ على جمعِ منْ الناسِ ، فسيعرفُ منْ يواليكَ ومنْ يكيدُ لكَ . . قالَ الأميرُ : ( موعدنا الجمعةَ ، وسندخلهُ على كلِ الأمراءِ وأفرادِ الحاشيةِ ورؤساءِ القبائلِ و وجهاءِ الخلافةِ) . . . كانَ الحمارُ لا يأكلُ إلا الزهورَ ، وعندما يشمها يصيحُ بأسلوبٍ غريبٍ ، لهذا عندما دخلَ على جمعِ ضيوفٍ ( هارونْ الرشيدْ ) ، فإنهُ وقفَ أمام يحيى البرمكي ، وجعفرْ البرمكي ، والفضلُ البرمكيُ وكلَ حواشيهمْ لأنهمْ كانوا يتعطرونَ بالنفسجْ والياسمينُ الذينَ يزرعونهُ في بساتينهمْ . . بعدُ فترةٍ ، بطشٌ ( هارونْ الرشيدْ ) بالبرامكةِ ، فشاعَ أنَ هارونْ الرشيدْ فعلَ أمرٍ ( المبروكْ ) حتى قالَ جحا ( فعلُ الأميرِ بمشورةِ المستنيرِ ) ويقصدُ الحمارُ . . لمْ تمضِ الأيامُ كثيرا ” حتى غابَ الحمارُ ، فمنهمْ منْ قالَ إنهُ هربَ ومسكهُ أهلَ القصابة في بغدادَ وذبحوهُ ، وآخرينَ قالوا أنَ الحمارَ غابَ عنْ الأميرِ ليظهرْ في زمنٍ آخرَ ليقدمَ لهمْ المشورةُ والنصحُ . المهمَ ، أنَ جحا استطاعَ أنْ يجنيَ فصيلُ منْ الحميرِ بفعلِ هدايا الأميرِ وعاشَ في بحبوحةٍ. قلتُ لخاچيهْ : تقصدينَ ، أنَ منْ يقدمُ المشورةَ والنصحَ لقادةِ هذا البلدِ المنهارِ هذه الايام همْ اتباعُ الحمارِ المستنيرِ ، أمْ أنَ منْ يتحكمُ بنا همْ جماعةُ الحمارِ الأبلهِ الأحولِ . . . كيفَ تستقيمُ أحوالَ العراقِ ، ومنْ يحكمنا بلا درايةٍ ولا إخلاص أوْ ولاءٍ لعراقِ الحضاراتِ .

البروفيسور د . ضياءُ واجدْ المهندسُ . مجلسُ الخبراءِ العراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار