يا سُرَّاقنا… لن تمحو عراقَنا… الجزء الأول: (يا جياف.. لسنا مثل اليوغسلاف)

يا سُرَّاقنا…
لن تمحو عراقَنا…

الجزء الأول:
(يا جياف.. لسنا مثل اليوغسلاف)

أ.د.ضياء واجد المهندس

تميَّزت أمريكا بالريادة في التطوُّر و التفوُّق في القدرات العسكرية، حتى وصلت موازنتها العسكرية ما يعادل مجموع موازنات ٦ دول تليها في الإنفاق العسكري.. و امتازت أمريكا بالسياسة العدوانية بحيث دخلت في ٢٨٠ حربًا خلال القرنين الماضيين و أسهمت في انقلابات عسكرية و إسقاط أنظمة في كل العالم.. و لا غرابةَ في ذلك، لأنَّ الرعيل الأول من المهاجرين من أوربا إلى أمريكا كانوا من الباحثين عن الذهب، و المغامرين، و صائدي الجوائز الذين وصل بهم الانحطاط إلى أن يصنعوا أحذيتهم من جلود الهنود الحمر الذين يقتلونهم، و يكسبون الأموال من جلب رؤوسهم أو فروة شعرهم.. وكبُرَت أمريكا بعد أن اشترت الأفارقة كعبيد للخدمة و الأعمال الشاقة عن طريق المستعمرين الغربيِّين الذي سيطروا على أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية.. و لم ينتهِ التمييز العنصري في أمريكا لقرونٍ في وسائل النقل و الجامعات و الأسواق و المراكز الترفيهية ووووو حتى ستينييات القرن الماضي..
يستخدم (مايكل اوترمان و ريتشارد هيل وبول ويلسون) في كتابهم الشهير (محو العراق) خطة متكاملة ل( اقتلاع عراقٍ و زَرعِ بلدٍ آخر بدل) مصطلح (الإبادة المجتمعية) الذي استخدمه لأول مرة كيت داوت في كتابه (فهم الشر: دروس من البوسنة) و الذي ينطبق على عراق ما بعد عام ٢٠٠٣، و هي الأسس التي حدَّدها كيت داوت لتحطيم الدولة مستعينًا بتجربة يوغسلافيا سابقًا التي تحولت إلى سِتِّ دولٍ لاحقًا. لقد تمَّ تخطيط و إعداد السيناريو في الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) و بمشورة مراكز الأبحاث الغربية، و ذلك بعد دراسة لطبيعة المجتمعات التي يُرادُ تمزيقها و تفتيت الدولة التي تعيش فيها مجاميع بشرية مختلفة إثنيًّا و دينيًّا و مذهبيًّا منذ قرون من خلال (تفجير العنف) و (غرس الكراهية) و السعي إلى (إبادة الفرقاء) و التي كانت دولة العراق هي الهدف…
يتمُّ تحقيق السيناريو بواسطة هدم كل (قيم المواطنة و التشابك الأُسَري) و (علاقات الجوار) و (الاختلاط في الأحياء السكنية) و ( التعايش المذهبي) و بناء نظام التصارع و الاختلاف و سيطرة الارتياب.
يُحدِّدُ كيت داوت وسائل التنفيذ:
من خلال خطة معدَّة لمجموعة أعمال تهدف إلى تدمير الأسس المجتمعية.. تتضمن عملية التدمير (المواطنة – الارتباط – العائلة- الأعراف الاجتماعية (العشائر) – الارتباطات العقائدية (الدين) و الشخصية الوطنية)) لكي يُصبح (سلوك الارتياب) و (سوء النية) و (عدم قبول الآخر) الأنماط المتداولة في المجتمع…

يصف مؤلِّفو كتاب (محو العراق) الثلاثة(مايكل اوترمان و ريتشارد هيل وبول ويلسون) ماحصل في العراق:
التدمير المقصود للعراق و شعبه الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية و حليفاتها إبان حرب الخليج، و حقبة العقوبات الدولية (الحصار الاقتصادي)، و حرب الخليج الثانية، و لا سيما في ضوء غزو العراق في نيسان ٢٠٠٣ شكَّل محاولة (إبادة مجتمعية) ليس للشعب وحسب، و إنما للدولة العراقية رغم التأريخ الطويل لهذه الدولة و تعايش مكوناتها الإثنية…
خلال ١٨ عامًا من الحروب، و الدمار و الإرهاب، و النهب و السرقات، و تغيير القِيَمِ و الأعراف، و تدهور المفاهيم و المعتقدات و حتى كثير من سلوك الأفراد، التي جعلت نزعات الانفصال لأسباب إثنية لا تثير أي رد فعل غاضب من الحكومة و الشعب، و مصرع العشرات سواء بفِعل الإرهاب، أو الجريمة المنظمة، أو الحروب أمرًا طبيعيًّا، و كذلك الرشوة و السرقة و الاستيلاء غير الشرعي على أملاك الدولة، و تدخُّل الدول الأجنبية السافر في شؤون العراق و اقتطاع أراضيه و مياهه، و تشرُّد الملايين من مناطق النزاع و نزوح ٣ مليون مواطن، و هجرة أكثر من مليون عراقي خارج الحدود، كلها ما كانت تحدث لولا توافر بيئة الرضوخ للاحتلال و تقبُّل الإنحراف السلوكي نحو العنف و الإرهاب.
بالرغم من أنَّ الحاكم الأمريكي بول بريمر كان ينفِّذُ أساليب (التدمير الذاتي) للمجتمع العراقي بتكملة الحرب الأمريكية سيئة الصيت عبر استخدام الجيل الجديد من (الحروب صفرية الكلفة) عبر وضع المكونات المجتمعية في خطوط الاصطراع و الصراع، و جعل الحكم على أساس التوافق الحزبي المكوناتي، و جعل الجهلاء السياسين و الأُميِّين و أشباه المتعلمين في صدارة إدارة الدولة، و كتابة دستور يحتوي على بنود تدمر التعايش المجتمعي و الذي كان مكافأة بريمر لأعضاء لجنة كتابة الدستور 150 ألف دولار أمريكي، بالإضافة إلى أنَّ إمتيازات الرئاسات و الوزراء و النواب مَنَحَت فرصةً للوافدين من مزدوجي الجنسية ليصنعوا (دكتاتورية الأحزاب المتحاصصة) و يتقاسموا الموارد و الممتلكات العامة و يسيطروا على مزاد العملة و يجعلوا الدولة العراقية (دولة رخوة و خاوية)، ينخرها الفساد و المحسوبية و الفضائيين.. لقد حاولَت إدارة الديمقراطيين في زمن أوباما أن يُجهزوا على العراق و يجعلوه ( إمارةً إسلاميةً) تحت مسمى (دولة الخلافة) كجزءٍ مُكَمِّلٍ لما بدؤوه من تمزيق المنطقة و إثارة الاضطرابات و الفتن و الحروب في الجزء الأول من ( الفوضى الخلَّاقة) الذي صمَّمته كوندليزا رايس، و أكملت إدارة الجمهوريين في زمن الرئيس دونالد ترامب الجزء الثاني ب (الشرق الأوسط الجديد) الذي دعا إليه الإرهابي و رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز.. بالرغم من أنَّ الرئيس ترامب في نهاية حكمه تحوَّلَ إلى الجزء الثالث من (تدمير العراق) و الذي يُعرَفُ ب (الديانة الإبراهيمية) و التعايش السلمي ل (المجتمعات الإبراهيمية) و جرى تطبيع دول خليجية و مغاربية كتمهيد لجعل إسرائيل تقود العرب بدعوى تقدُّمها و قُربها في الأصول الإبراهيمية..
بالمختصر:
لا يمكن لأمريكا و الغرب وإسرائيل أن تدمرَ العراق لأنه بلد الأنبياء و الأوصياء و الأولياء و الصالحين.. و إن حكمَنا الفاسدون الظالمون المجرمون، فذلك اختبار من الله تعالى لأننا لم نرتقِ لخدمة العراق..

اللهمَّ نشكو إليكَ ضعفنا و قلة حيلتنا..
و هواننا على الطغاة الفاسدين علينا..

للحديث بقية..

البروفسور د.ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار