مجاهدون . و .. متسلطون

مجاهدون
. و .. متسلطون

بقلم : ا.د.ضياء واجد المهندس

 

 

بعد مقتل الخليفة الثالث ، ظهرت الصراعات بين المجاهدين على مطالب الحضوة بامتيازات كونهم من الذين تعرضوا لأذى كفار قريش وكابدوا قحط الحصار و غزوات المشركين في بدر وأحد والأحزاب وحنين وو …
وبالرغم من أن الجهاد في سبيل الله عبادة تعطي للمؤمن جواز مرور الى الجنة مع صالح الاعمال إلا أن الكثير من المسلمين اعتبروها تأشيرة للمغانم و المكاسب ..
وفي افريقيا ، قارة العبودية والعنصرية ، هناك الكثير من الأمثلة الشاخصة التي جعلت المناضلين و المناهضين للعنصرية والعبودية رموزا” للدكتاتورية و التسلط ..
ومن بين الرموز الأفريقية ( سيريل رامافوزا )، رئيس جنوب أفريقيا، اتُّهم بالتورّط في فساد ماليّ بعدما سُرق من مزرعته مبلغ يتراوح بين 4 و5 ملايين دولار.
رامافوزا صاحب سجلّ محترم في النضال ضدّ العنصريّة إلى جانب الأيقونة (نيلسون مانديلا). وقتها كان قائداً نقابيّاً لعمّال المناجم، وهم الاتّحاد النقابيّ الأكبر، وعلى رأسه قاوم نظام التمييز، ثمّ انتُخب أميناً عامّاً لـ«المؤتمر الوطنيّ الأفريقيّ»، في ظلّ رئاسة مانديلا، واعتُبر كبير المفاوضين في المفاوضات التي أسفرت عن نهاية العهد القديم.
قبل رامافوزا، تولّى رئاسة الجمهوريّة في جنوب أفريقيا ( جاكوب زوما ) الذي ينتمي إلى المجموعة النضاليّة نفسها. قضى عشر سنوات في سجن « روبن أيلند » الشهير كسجين سياسيّ، قبل أن ينفيه النظام العنصريّ إلى الخارج. لكنّ رئاسة زوما للجمهوريّة انتهت على نحو بائس: عُزل من منصبه وسُجن بسبب تورّطه في فساد وصفقات أسلحة.
والحال أنّ النظام البرلمانيّ في جنوب أفريقيا مثل العراق يحول دون إقامة حكم مطلق وحزب واحد، إلاّ أنّه لا يحول دون التلوّث بالفساد، على ما رأينا في حال رئيسين مناضلين من أصل رؤساء أربعة عرفتهم جنوب أفريقيا ما بعد العنصريّة!!!!!!

في غانا ، قاد ( كوامي نكروما ) بلاده إلى الاستقلال عن بريطانيا في 1957، لكنّه أقام نظام حزب واحد وقمع كلّ معارضة سياسيّة وجعل نفسه رئيساً مدى الحياة، إلى أن أطاحه انقلاب عسكريّ في 1966.
في غينيا ، ارتبطت قيادة الحركة الاستقلاليّة التي أجلتِ الفرنسيّين ب ( أحمد سيكوتوري ). لكنّ سيكوتوري حكم من 1958 حتّى وفاته في 1984، حزبه صار الحزب الأوحد، ومعارضته محرّمة، أمّا قسوته حيال الخصوم والنقّاد فكسرت أرقاماً قياسيّة كثيرة.
وفي مالي ،
( موديبو كيتا )، فعل الشيء ذاته: استقلال ثمّ حزب واحد وديكتاتوريّة خشنة أطاحها انقلاب عسكريّ في 1968. البطل الوطنيّ توفّي في السجن.
وفي الجزائر ،
( هواري بومدين ) قاد الجناح العسكريّ لـ«جبهة التحرير الجزائريّة». أطاح ب ( أحمد بن بيلّا )في 1965، بعد ثلاث سنوات على الاستقلال، وحكم على رأس حزب واحد حتى وفاته في 1978.
وحتى في آسيا ، ففي اندونسيا تزعم
( أحمد سوكارنو ) حركة الاستقلال الأندونيسيّ عن هولندا. بعد ذاك تولّى الرئاسة في 1945 ولم يغادرها حتّى 1968 إثر انقلاب وزير دفاعه سوهارتو عليه.

واستمر حكم الرئيس المصري ( جمال عبد الناصر ) حتى وفاته في ١٩٧٠، وهو من أقام الجمهوريّة وحقّق الجلاء، واستمرّ حاكماً بدون معارضة .
و لا تختلف نظرية (ثمن الجهاد) عند الأحزاب والحركات الشيوعيّة التي قادت عمليّات استقلاليّة أو تغييريّة كبرى (الصين، كوبا، فيتنام…) لكنّها أقامت سلطات راسخة في الاستبداد والفساد لم تتزحزح عنها حتّى اليوم.

وتعتمد نظريّة ( الاستحقاق الجهادي ) على دفع ثمن محاربة الطغاة و ما تم تقديمه من تضحيات … والحقيقة المرة أن أصحاب (الاستحقاق الجهادي ) يشرعنون ملك الأمّة والشعب على نحو حصريّ بحيث يجيز لهم أن يحكموا كما يشاؤون، وأن يسرقون كما يرغبون .

وعلى النقيض من ذلك كان
( نيلسون مانديلا ) الذي قاد بلاده إلى ما بعد النظام العنصريّ وبقي في الرئاسة خمس سنوات فحسب (1994 – 1999).
وفي بولندا قاد النقابي في الموانئ ( ليش فاليسّا ) عمليّة إسقاط النظام الشيوعيّ واقتصر حكمه، هو الآخر، على خمس سنوات (1990 – 1995).

الفارق، هنا، هو بين نهجين: واحد يرى أنّ القتال اضطرارٌ ينتهي العمل به ليبدأ العمل بالسياسة، وآخر يرى أنّ القتال والسياسة واحد، وهكذا سيبقيان إلى ما لا نهاية.

النهج الأوّل ينطوي على افتراض أنّ من يقاتل و«يبذل الشهداء» ليس بالضرورة صالحاً لأن يحكم. النهج الثاني ينطوي على رسالة ضمنيّة مفادها أنّنا لم نقاتل و«نبذل شهداء» إلاّ لكي نحكم…
اللهم انعم علينا بحكم عبادك المتقين..
وابعد عنا الطغاة المتسلطين..

البروفيسور د. ضياء واجد المهندس
مجلس الخبراء العراقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار