فارق اخلاقي ومهني .. بين طبيب الغلابة وجزار الغابة !

 

حسين الذكر

 

الطب مهنة اخلاقية ورسالة مجتمعية ومهمة انسانية ووسيلة نفسية … قبل ان تكن وتدرج تحت اي عنوان اخر .. فاحياء المجتمع هنا هو المقصد والغاية لخطاب السماء 🙁 من احيى نفسا كانما احيى الناس جميعا ) .. كون الطبيب يعالج بالشهر مئات المرضى وبالسنة اللاف .. وخلال مسيرته العمرية الطويلة تمر عليه طبقات الشعب مما يجعله الاكثر تماس وتاثير في المجتمع كله .. حتى قيل عنه انه ( ملاك رحمة قبل ان يكون مجرد مهنة للعلاج ) ..
في مصر مات قبل مدة طبيب الغلابة الدكتور محمد المشالي بعد خدمة خمسين عام في مهنة الطب .. فخرج الشعب المصري يشيع جنازته الى مثواه الاخير ترحما عليه واقتداءا بمنهجيته واحتفتاء بانموذجيته ..
‏في السعودية وبجوار مكة المكرمة .. ودع الاهالي اشهر طبيب اطفال د . محمد وليد العلبي . . الذي عرف بالمهنية وتميز بالانسانية .. يقول مراجعيه ان كشفيته ظلت كما هي عليه ولم تتاثر بصعود الاسعار وارتفاع تكاليف الحياة .. وصفاته الطبية باسعار رخيصة وفعالة .. رحمه الله كان انموذجا ملائكيا في زمن اتساع رقعة شياطين الطب ..
في سوريا كتب احد كبار السن من مرضى العيون انه راجع دكتورة ليلى السبع ومع ان اسلوبه كان خشنا حد التهجم معها .. الا انها تعاملت معه بروح الابوة والانسانية وقالت له : ( يا شيخ نحن هنا لخدمتك ولبسنا الزي الابيض دلالة للنقاء ولو لاكم المراجعين لما كان لنا اسم وعنوان ووجود ) . يضيف: ثم فحصتني كما يرام .. وقالت : ( لاننا اخرناك دقائق واتعبانك فيها ستكون كشفيتك هذه المرة على حسابي الخاص ). ولم تكتفي بذلك بل اعطتني قطارات علاج مجانا من عيادتها ومنحتني الكارت الخاص وطلبت مني العذر وقالت اهلا بك متى ما زرتنا ستجدنا بخدمتك ..
قبل ايام .. سالت عن طبيب مختص لعلاج زوجتي وحصلت على رقم الموبايل واتصلت فاجابني السكرتير وحدد لي موعدا .. ولان الموعد عندي مقدس ذهبت قبل ذاك بربع ساعة تحسبا لاي طاريء .. ووجدت العيادة فوضى والمرضى ينتظرون بمكان ضيق لا تتوفر فيه ادنى مقومات الشروط الصحية ولا الاجواء النفسية .. اول واهم ما يطلبه منك السكرتير هو الاجرة التي يتسلمها قبل كل شيء ثم يركنك متراكما فوق طابور المرضى المساكين .. ثم يدخل السكرتير المرضى بناء على مزاجه وليس حسب الدور ليجلدك بانواع التحاليل وموارد الصرف الخاص به .. وقد بقينا ساعتين بالانتظار ولم نتمكن من الدخول فاعترضت وتجادلت مع السكرتير حتى ارتفع صوتي احتجاجا وقلت بصوت عالي : انكم على خطأ ولا يوجد من يحاسبكم وقد فلت الوضع عندكم .. فقد تفاقم وضع المريضة جراء الانتظار الممل والطويل.. انتم تازمون المريض فضلا عن كونكم تحلبوه بتحليلكم وعياداتكم واشعتكم وسوناركم واجهزة فحصكم .. التي تدر عليكم بالتخمة وعلى الشعب بالموت والافلاس . عند ذاك خرج الطبيب .. وبدل ان يسال عن السبب ويستخدم – على اقل تقدير – مقولة المريض على حق .. قال بدم بارد من يصيح فقلت انا .. فقال لن اكشف عليك .. فقلت له وانا لا اتشرف بان تكون انت طبيبي .. فمهنة الطب رسالة اخلاقية ومهمة انسانية ينهض بها الرساليون وليس جزارو الشعب ونهازو الفرص ومستغلو الوضع السياسي العام .. قطعا ذاك لا يعمم على الجميع فهناك نماذج طبية عراقية نفتخر بها ونعدها رمز لبقايا الخير الوطني رغم انتشار الفساد العام .. لكن للاسف تلك القلة الشرهة ما زالت تشوه المنظر .. والله من وراء القصد وهو ارحم الراحمين ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار