غُربَةُ جيل

غُربَةُ جيل

✍🏼 زايد الشامي

-لا تقولي لي لماذا لم تكتب كل شيء يا زياد؟ عن حياتك في أوروبا ،عن دراستك ، عن المجتمع الغربي ، عن عاداتهم ، تقاليدهم ، لم تكتب لي أدق التفاصيل.
لم أستطع يا عزيزتي أن أكتب كل شيء ولكن سأكتفي بالآتي :
بعد رحيلي يا ندى الروح من أرض الوطن لا أعلم ما الذي حصل لي؟ ضاق حالي والأرض من مشرقها إلى مغربها لم تسَعْنِي ، كل الأماكن والأبواب أُغلِقت في وجهي ماعدا باب واحدا هو باب الوطن.
تخيلي أن تكوني بين جبلين محاصرة لا منفذ ولا معبر عليك البقاء فقط هذه هي الغربة يا عزيزتي.
كم كنت أتمنى الخروج من أرض الوطن، كنت أتصور أني إذا خرجت من أرض الوطن أني سأكون في جنة المأوى وأني سأجد السدرة ولكنه زاغ البصر ولم أنزل منزلة أخرى .
حاولت الخروج مراراً وتكراراً وأنتِ تعلمين ذلك ، إلى أن نجحت محاولاتي وخرجت من أرض الوطن ولكني عندما خرجت ندمت كثيراً ، فمكان نشأتك يختلف عن المكان الذي تقيم فيه فتراب الوطن غالِِ والله يا ندى وصدق الشاعر عندما قال : بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ    وأهلي وإن بخلوا عليّ كرامُ .
سأخبركِ عن قصة رائعة  لسيدنا سليمان -عليه السلام- مع النسر .
قال نبي الله سليمان للنسر : يا نسر خذني إلى أجمل مكان تراهُ العين.
أخذه النسر إلى صحراء وأرض قاحلة.
قال سليمان -عليه السلام- : عجباً ! أتزعم أن هذا المكان هو أجمل مكان رأتهُ عينك.
قال النسر : نعم يا مولاي فهو المكان الذي ولدت فيه.
وهذه الحقيقة يا عزيزتي ، الإنسان مهما خرج وجال بلدان العالم وشاهد جميع الحضارات والثقافات إلا أن مكان ولادته ووطنه هو الأفضل بالنسبة له.
المهم يا عزيزتي لقد أكملت دراستي وبتقدير ممتاز  والحمدلله ،  وأنوي أن أكمل الدكتوراة ولكن أحببت أن أبعث إليكِ هذه الرسالة فلقد كنتِ تصرين عليّ كثيراً بأن أشرح لكِ معيشة الغرب وما الفرق بيننا وبينهم؟
أقول لكِ وبكل صدق وصراحة : الغرب أفضل منا،
ولكن بفضلنا لاصبحوا أفضل منا ، الغرب ليس لديهم حضارة نحن من علمناهم أساس بناء الحضارات ، يقول الطبيب والباحث روبرت برفولت: ( ما من ناحية من نواحي تقدم أوروبا، إلا و للحضارة الإسلامية فيها فضل كبير وآثار حاسمة لها تأثير كبير) .
هذا إن كنا نتكلم عن الحضارة فالغرب ليسوا أفضل منا ولكن نحن تركنا حضارتنا وهم أخذوا جزءاً منها وعملوا بها.

العلم !
كنتِ كثيراً ما ترددين هذه الكلمة على شفتيكِ
“العلم العلم ماذا تريد بالعلم يا زياد!”
عزيزتي العلم أساس بناء الأمم ، العلم ليس سهلاً يا عزيزتي ، العلم هو أكبر همِِ يواجهه الإنسان  في حياته ولكن كلما أُقفلت في وجهكِ المسائل وواجهتي بعض العوائق والتحديات وأنتِ في طريق العلم تذكري دائماً أن العلم أولاً من أجل الله وفي طاعة الله ثم من أجل الوطن، فالعلم يحلو مُرهُ إن كان من أجل الوطن ، لا تَنسَي ذلك .
وإن قارنا بيننا نحن والغرب في العلم وبهذه أيضاً أريد أن أخبركِ أنه لولا العرب والمسلمون لما كانت أوروبا بهذا الازدهار، دعيني أخبركِ عن ما قاله كريستوفر داوسون في كتابه ( أوروبا والمدنية الأوروبية ) : (أخذت أوروبا الغربية عن العرب الأصول العلمية وكانت الحركة العلمية في العالم لأكثر من أربعة قرون بأيدي الشعوب الإسلامية ويرجع الفضل إلى الإسلام نفسه) .
هذا هو الفرق أو كما قال العالم الكيميائي المصري  الكبير أحمد زويل ، 🙁 الغرب ليسوا افضل منا ولكنهم يساعدون الفاشل حتى ينجح ونحن نحارب الناجح حتى يفشل )
هذا هو الفرق يا عزيزتي .
أعرفكِ كثيرةَ الأسئلة ومن المؤكد أنكِ ستسألين  كيف عرف الغرب حضارتنا وتاريخنا وعلمنا؟
سأجيبكِ على هذا السؤال الإفتراضي
” المستشرقون ”
مصطلح سمعنا به كثيراً ، والمستشرق عبارة عن رجل أجنبي  يأتي إلى الشرق الأوسط ليدرس التراث الإسلامي والحضاري ويكون عالماً بحياة الشرق الأوسط وعلومه وآدابه ولغاته وحضاراته ومدنياته .
هؤلاء المستشرقون يأتون من الغرب إلى الشرق الأوسط حتى يدرسون ويتدارسون الحضارة العربية الإسلامية لمدة طويلة من الزمن قد تصل إلى عشرين عاماً
لم يكن يمكث هؤلاء المستشرقون هذه المدة عبثاً
بل هؤلاء هم من كانوا يسرقون حضاراتنا وعلمنا وثقافتنا إلى بلدانهم.
ليس هذا وحسب بل هؤلاء المستشرقون أنفسهم من أخبروا الغرب بنقاط ضعفنا وكيف تتم السيطرة علينا وماهي الوسائل التي  ستدمر العرب المسلمين.

أما إذا كنتِ ستسألين عن كيف يعيش الغرب وما الفرق بين معيشتنا ومعيشتهم !
فإليكِ الجواب.
يدخل الغرب في صميم العلاقات عندنا ؛ في علاقتنا بأنفسنا ، ببعضنا البعض ،في علاقتنا بربنا ، فجأةً نصبحُ نسخة مشوهة مما يريده الغرب ، هذا ما يسمى بالغزو الفكري والثقافي.
فجأةً نصبحُ نفكر كما يفكر الغربيون بأنفسهم ؛ المزيد من الملابس ، المزيد من الترف ،المزيد من إرضاء الحاجات الجسدية ، فجأةً تصبحُ الراحة النفسية مرادفةً لإرضاء النوازع والرغبات والمتطلبات المادية وتأتي علاقتنا بربنا ، يأتي ذلك الإنفصال اللئيم بين الدين والحياة ، فجأةً أصبحت علاقتنا بربنا محصورةً بدقائق معدودة ، نقرات سريعة ننقرها ، أصبحت عباداتنا عائقاً لأعمالنا بدلاً من أن تكون بركةً لأعمالنا ،لقد بدأ العد التنازلي ولا نعلم في أي هاوية سنقع.
هذا يا عزيزتي ماكنت أريد أن أخبركِ به . . . بات اللقاء قريباً يا عزيزتي انتظريني فسأعود بقوة لكي نبني معاً وطناً جديداً وربيعاً مختلفاً يليق بوطننا .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار