سنعيش

سنعيش

عفاف البعداني

شيءٌ ما يدفعني لترجمة المرئيات بطموح وإيمان جريئين ، فأنا من أولئك الأشخاص الذين لاتدهشهم الأشياء المكررة، ولا يميلون للكلمات المعتادة، غير تلك التي استبقوها في مخيلتهم، قد ربما يضيع طريقهم ويلتصق بهم العذاب، وتلحقهم التهم، ولعنات شريرة ؛ لكنهم يبتهجون بلذة التيه والهروب الدائم؛ من مشقة الحدود والقوانين إلى فداحة التخيل، إيماني يطردني من هذا المكان وهذا الزمان وحتى من  الشخوص ؛ ولكنها حاجيات البقاء من تدفعني كل مرة لأعيش، فقد أكره  الدواء كثيرا ؛ لكني مضطرة لآخذه لأعود للقراءة  والكتابة وأتنفس كما البقية ، أكره التزاحم والتبرير وإطالة الحوارات، لكن وظيفتي تدفعني لأناقش وأحاور وأختلط مع غالبية الناس وأقدم صورة اجتماعية ثابتة، فعلى قدر تناقضي ومزاجيتي السيئة، إلا إنني أمتلك روحا محبة لطالما أخذت على عاتقي مهمة التخفيف عن الجميع دون أن يعرفني أي أحد،  سبق وحاولت أن أجد نفسي بين عموم الأشياء، والبشر ، والحياة،  ولكني لم أستطع ،  فتارة  تتملكني عجوز حكيمة جدا ، وتارة طفلة طيبة، تجدل شعرها بشكل معوج لتضع في النهاية مشبكها المبهم، وتبتسم لكل الأشياء دون أن تعرف ماهو السبب ؟!.

وبعد كل هذه المحاولات يصعب علي القول: إنه لايمكنني تجاوز الأماكن بسرعة مثلهم، كالمرور من متحف الشموع، وأشجار السمدني، والجماجم المحنطة، جميع تلك الأشياء تستوقفني وتهيم بها فطرتي التخيلية لا البصرية وأنا في نفس مكانهم، لا أرتجف من ابتعادهم عني، ولا أخاف من تلك الأساطير المخيفة عندما أفكر بها لوحدي، لا أهرب من الجبل المشؤوم ، ولا تطالني الوحشة ، كل ماهو غريب أستأنس به، رغما عن ارتياعي المكنون، وكل ماهو مألوف أخاف منه بجدارة، ومع همهمة الأفق لا تهمني  العودة ومتى سأصل!!؟؟ بقدر مايهمني الاستقراء ، وبأي انطباع سأصل .

وغالبا لاجدوى من تراكم الإفصاح عن كل تلك الأشياء الغريبة التي أفكربها، فكل مافي الدروب أصم، كل ما أراه جليا تبلج الصباح و تكوكب النهار على فضاء روحي بسيادة عتيقة، عدا ذلك فالكل يزعم أنه مثالي التصرف، وزاهد الفعل، ومرموق الوجاهة، وعندما تحين الحقيقة تتضح الصورة الزائفة و لاتسمع لهم ركزا، تغنيهم معزوفة مرتاعة بين الظلام والسكون وصفير الرياح المسكونة، ولم أتعجب..

ومع نهاية اليوم…وشتات الطرق  رمقتني روحي بعين العودة مما أنا فيه ، كأن ذاتي بدأت تخاف من تهامس الأشجار و تعاقب الشمس وهي بمفردها،  قادتني عبر الضباب إلى شاطئ الغروب،  وانتظرتني بمأدبة المساء وبطلة شمع مزدهر، وطاولة حدوس عريضة، حينئذ انتفظ الصمت وتجرأت لأكتب كل هذا،  وبهذا  صار المكان  يفهم صوت روحي أكثر مني .. يستمع لحسياتي الشاهقة التي تخللت تقاسيمي الساهرة دون أن أتكلم .. يدرك أن اعترافي لازال مترنحا بجدار قديم دفن عند مزاهدة الشعور، ولا أعلم هل وجدت شعوري، أو  من وجدني هو الخيال نفسه .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار