دولة الاربعين واستراتيجية القيم الحضارية

دولة الاربعين واستراتيجية القيم الحضارية

الدكتور حيدر الرماحي

يوما بعد يوم تتصدر زيارة الاربعين كقوة حضارية كامنة رغم انها ترتبط بحدث يمتد لالف واربعمائة سنة الا انه في القرن الحادي والعشرين يتفجر كحدث عالمي هو الابرز ليتناسق مع الزمن الحاضر والمستقبل وطبيعة الصراع الحضاري مع الثقافات الاخرى وبالذات الثقافة الغربية التي يراد لها ان تكون هي السائدة وانها تمثل نهاية التاريخ، الا ان زيارة الاربعين اليوم تُصدر قيماً حضارية تتصدر المجتمعات والثقافات، ويبدا قوس الصعود للقيم التي لم يتعرف عليها العالم الا من خلال القضية الحسينية بعد ان بدات تتلفظ الحضارة والقيم الغربية انفاسها نتيجة الصراعات القائمة والاساس المادي القائم على الفردانية وقيم الانحلال..

والاربعين اليوم يحقق انتقالة نوعية في ساحة المواجهة على الصعيد الحضاري والقيمي، وفي نفس الوقت فان هذا الحدث ليش حدثا تقليديا انما يتمتع بالديناميكية الحركية تناسقا مع الواقع العالمي فنجد انه يؤسس لتعميق المبادئ وتحولها من ثقافة فكرية الى سلوك على ارض الواقع لتخلق بيئة تحكمها المبادئ والقيم ونجدها مرة اخرى تضح حلولا لاشكالات لم تتمكن الدولة ولا المؤسسات ان تجد لها حلولا وهنا يمكن ان نؤشر على عدة اضاءات في هذه المسيرة:

– الدور الاعلامي وقدرة الاربعين على صناعة المحتوى في الوقت الذي يعاني مجتمعنا من المحتوى الهابط القائم على اساس نشر التفاهات والمحتويات الغير لائقة في حين تاتي زيارة الاربعين لتقدم محتوى قيميا يحكي عمق الحضارة الاسلامية ويعبر عن عمق هذه الثقافة التي يراد محوها وافراغ الامة فكرا ومحتوىً من ثقافتهم ولكن زيارة الأربعين تقدم محتوى اعلاميا يعبر عن تمسك الامة بثقافتها الاصيلة واخلاقها الاسلامية المحمدية.

– تصدير الثقافة الحسينية القائمة على اساس انها ثورة تهدد الظلم وترفض الاستبداد والاستعداد للتصدي والتضحية من جانب ،يقابل ذلك روح التسامح والبذل والعطاء والتكافل ونبذ التفرقة والانصهار مع روح الجماعة لاجل المبادئ من جهة اخرى، وبذلك نجد ان ثقافة الاربعين اخذت حيزا واسعا على مدى الانتشار والامتداد العالمي لانها تعزز مفهوم الكرامة.

– تصحيح التشويه الاعلامي الذي مورس ضد شيعة اهل البيت على مدى القرون المتواصلة اذ مارست الانظمة الاستبدادية والطائفية شتى انوع التشويه والطعن ضد المذهب الشيعي وصولا الى تكفير الشيعة، والاربعين اليوم اختصر الزمن في تبديد وتفنيد الشبهات في زمن قياسي التي اسس لها منذ الحكم الاموي حتى نظام البعث الإجرامي.

– حضور الدولة بما تمثله من مؤسسات وقدرات لحماية ودعم الزيارة بعد ان كانت الدولة عبر التاريخ وحتى نظام البعث تبالغ بقمع الشيعة وتمنع اقامة شعائرهم واليوم الدولة العراقية تعمل بجهدها على انجاح الزيارة..

– الحضور السياسي الفاعل للامة والذي يمثل الاستعداد للمواجهة في القضايا الحساسة التي تواجه الامة الاسلامية اذ يلاحظ كل من يراقب المسيرة حضور القضية الفلسطينية في كل مشاهد الاربعين وكانت هذه القضية واحدة من ابرز مظاهر الاربعين في هذا العام، الامر الذي يدلل ان شيعة اهل البيت لا يمكن لهم التخلي عن قضايا الامة بعيدا عن الحس الطائفي او الفئوي، فكما كانوا بالامس يدافعون عن القران عند تعرضه للحرق والاهانة ثم الدفاع عن القضية اليمنية والبحرينية اليوم يقفون في رسالة واضحة للعالم ان الشيعة في اهم وابرز مراسيمهم الدينية يقفون الى جانب قضية فلسطين ويضعون انفسهم كأمة في جانب التحدي مع الكيان الصهيوني ومن يقف معه من القوى الكبرى الظالمة.

وفضلا عن ذلك هناك من الصور والاضاءات التي لا يمكن احصائها في هذه الزيارة التي تمثل منعطفا تاريخيا في عالم مثير يشهد اشد انواع الصراعات وهو الصراع الثقافي والمعرفي في حين يقدم الشيعة نموذجا جديدا لم يتعرف عليه العالم من الثقافة والمبادئ التي تنسجم مع فطرة البشرية التي اردها الله ان تحكم وتسود..
وعلى ذلك فان زيارة الاربعين ليست مظهرا عابرا او طقوسا فارغة من المحتوى الانها تمثل حدثا على مستوى الفضيلة لتؤسس للدولة الكريمة التي تعز الاسلام واهله وتذل النفاق واهله على يد منقذ البشرية.

الدكتور حيدر الرماحي
٢٠ صفر ١٤٤٦هـ
٢٠٢٤/٨/٢٥ م

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار