ثقافة الرد، وثقافة الحد. !

ثقافة الرد، وثقافة الحد. !

د.محمد ابو النواعير

كتب احد الاخوة الأعزاء:

إذا اردت ان تتعرف على شخصية احدهم، فعليك بمراقبة تعليقاته وليس منشوراته لأن ثقافة الرد هي معيار العقل والشخصية، فمنهم من تجد نفسك تنحني لهم احتراما ومنهم من ستجد نفسك تشمئز من ردودهم وتعليقاتهم،
فإذا كانت بصمة الإصبع تثبت هوية شخصيتك،…
فإن بصمة اللسان تثبت حصاد التربية والاخلاق .
ثقافة الرد هي المعيار .

***

فاجبناه بالتالي:

عزيزي القضية نسبية، ليست بهذا الاطلاق البسيط .

فما يجهله المجتمع او يتجاهله عمدا او عصيانا، هو ان ثقافة الرد في الاسلام مباحة للفرد في جانب، ومستحبة في جانب ومحرمة في جانب.

فان كان المقابل تكلم معك بود واحترام، وانت رددت عليه باساءة، هنا الفعل محرم.

وإن ابتدأَ المقابل باساءة، فانت امام خيارين:
– اما ان ترد عليه بالاساءة نفسها، وهذا امر مباح وغير محرم، فهي شتمة بشتمة، كما قال الامام ع، وهي قد تكون في بعض البيئات والمجتمعات والظروف، سببا في تحصين نفسك وغيرك من تمادي الشاتم واستصغاره لك؛ تماديه بانواع اشد اضرارا وتهتكا في التعاطي معك.

وقد شاهدنا كيف ان سكوت جموع المؤمنين ومن يمثلون التربية الصالحة الهادئة، قد جرأ ويجرأ دوما اصحاب الانحرافات والمعاصي في التمادي اكثر واكثر، دون ان تكون اخلاق وادب المقابل رادعا لهم ولعهرهم.

ولكن جهل وحمق مجتمعنا وابتعاده عن كثير مما فصله الشرع القويم والتفكير المنطقي الصحيح، جعله يتجرأ بتحريم ما اباحه الله.

– والخيار الثاني من القسم الثاني (قسم اعتداء المقابل وتجاوزه) هو التغاضي والسكوت، وهنا هو امر مستحب فيه ثواب عظيم.

كل ما قلته اعلاه، سيدنا كذلك يخضع لقاعدة نسبية اخرى اعمق واكبر.

فقد تكون هناك مواضع، يكون فيها كلام جميل معتدل من طرف، ولكنه كلام حمال اوجه يقود لفساد مجتمع وتحطيم امة او ايقاع المعصية بين الناس، وهنا، يكون ردك بقوة وبدون احترام على هذا الشخص الذي يريد الهلاك لك ولعائلتك امر مباح وقد يكون مستحب. والعكس كذلك هو الصحيح.

إذن، التكلم في هذه القضايا المعقدة التي يتداخل فيها الشرع والاخلاق والاعراف الاجتماعية والتفكير المنطقي وعمليات تقدير الموقف الدقيقة، لا يجوز طرحها بهذه الطريقة المختزلة جدا جدا جدا، والتي تصب عادة لدى المتلقي في مجال او جهة واحدة، قد تخلق لديه (او لديهم) توجها وقناعات، تبعد الناس عن الفعل الاخلاقي الصحيح.

دمت بود وعافية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار