القنافذُ.. والنوافذُ

القنافذُ.. والنوافذُ

أ.د.ضياء واجد المهندس

يقول المثل العراقي في اللصوص:
(لم يروَهم و هُم يسرقون، بل عرفوهم و هُم يتقاسمون، لأنهم يتخاصمون)، وهذه من أهمِّ ما يتميَّزُ بهِ السُّرَّاقُ، يجمعُهم الصيدُ الثَّمينُ و يفرِّقهم محاولة الجميع الاستفراد بالمسروقات..
عندما طُلِبَ من حرامي أن يكونَ حارسًا لبيتِ رجلٍ ثريٍّ، فإنَّ أولَ ما فعله ألغى كلَّ النوافذِ و أغلقها، و عندما سُئِلَ عن السَّببِ قالَ: اللصوصُ ورثَت عادةَ الدُّخولِ من النوافذِ، و الحراميَّةُ يجتمعونَ عندما يحسُّونَ بالخطر و يتفرَّقونَ بحثًا عن الصَّيدِ، يَشبهونَ القنافُذَ و لكن لغاياتٍ أخرى..
حيثُ لا يُمكنُ للقنافذِ أن تقترِبَ من بعضِها البعض، لأنَّ الأشواكَ التي تُحيطُ بها تكونُ حِصنًا منيعًا لها، ليس عن أعدائها فحَسب بل حتى عن أبناءِ جلدتِها..
فإذا أطلَّ الشتاءُ برياحِهِ الشديدةِ العتيدةِ و برودتِهِ القارسةِ إضطَّرت القنافذُ للإقترابِ و الإلتصاقِ ببعضِها طلبًا للدِّفء و مُتَحَمِّلَةً ألمَ وخزاتِ الإبَرِ و حِدَّةِ الأشواكِ، و إذا شعرَت بالدِّفءِ ابتعدَت إلى أن تشعُرَ بالبردِ فتقتربُ مرَّةً أخرى و هكذا تقضي ليلَها بين إقترابٍ و ابتعادٍ..
الإقترابُ الدائمُ قد يكلِّفُها الكثيرَ من الجروحِ.. و الابتعادُ الدائمُ قد يُفقدُها حياتَها..
كذلكَ هيَ حالةُ الكتلِ السياسيةِ
لا يخلو الواحد منها من أشواكٍ تُحيطُ بهِ و بغيرِهِ منَ الصِّراعِ على المناصب و المنافع و لكن لن يحصلَ عليها ما لم يحتمِل وخزاتِ الشَّوكِ و الألمِ من الشُّركاءِ و الفرقاءِ معًا..
لذا علينا أن
نتحمَّلَ وخزاتِ بعضِنا بعضًا في البحثِ عنِ الأملِ و العملِ و الحربِ على الفسادِ حتى نُعيدَ التوازنَ إلى حياتِنا..

اللهمَّ اجعلنا شوكةً في عيونِ الفاسدينَ..
و انصُرنا على الطُّغاةِ الظالمينَ..

البروفسور د.ضياء واجد المهندس

مجلس الخبراء العراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار