السياسة علم وليس هوايه

السياسة علم وليس هوايه

بقلم / مانع الزاملي

تحتل السّياسة جانبًا مهمًّا في حياة الزّعماء والقادة، كما يتعلّق الكثير من الكتّاب والمحلّلين بالسّياسة باعتبار أنّ الكتابة فيها هي مهنتهم التي يتكسّبون منها أو هي هوايتهم التي تستهويهم وتلامس شغاف قلوبهم، وذلك لما في السّياسة من مفاجآت ومغامرات وتشويق أحيانًا فالإنسان عربيًّا كان أو غربيًّا يقبل يومًا بعد يوم على متابعة أمور السّياسة والأحداث السّياسيّة في المنطقة والعالم بسبب تأثيرها على حياة النّاس. وقد برع الكثير من السّياسيين عبر التّاريخ في قضيّة السّياسة وإدارة شؤون الدّولة الخارجيّة والدّاخلية وقد مثّلت السّياسة لهؤلاء وغيرهم سبيلاً للخروج من المآزق والأزمات، فأن تكون سياسيًّا بارعًا فهذا يعني أن تكون قادرًا على خدمة وطنك بكلّ السّبل والوسائل وأن تصل بها إلى برّ الأمان، وحتّى يكون السّياسي رجلاً محنّكًا ينبغي له أن يتّصف بعدّة صفات،والرجلُ السياسي رجل مهتم بشؤون الجماعة وطريقة عملها مِن خلال العمل السياسي ولا يمكننا أن نفهَم من هو الرجلُ السياسي إلا بمعرفةِ الأساس الذي يقومُ عليهِ، وهي السياسة لأن السياسةَ هيَ بالمعنى الأقرب هي طريقة التعامل في المجتمع فهي الاليات التي يستخدمها الرجلُ السياسي في حلِ المشاكلِ بالطريقة الصحيحة وذلك بصناعةِ قراراتٍ تكون منطقية وواقعية وشاملة ووفق سياقات دمج قانونية القرارات ،لذلك يتطلّب العمل السياسي القيامُ بدراسةِ الاحداث والظواهر دراسة موضوعية حيادية تبتعد كل البعد عن التحيّز والتعصّب والأفكار الشخصية والذاتية. والملاحظ للحقل السياسي اليوم يجد ان غالبية من تصدو للعمل السياسي لا يعيرون شأناً واهتماما بالمعرفة السياسية، ما يشكّلُ معضلة أمام الفاعل السياسي وامام الواقع السياسي.
فالعمل السياسي هو العمل الجماعي داخل المجتمع والتي تدور في فلكها السياسة. فمن الضروري رصد المشاكل واكتساب المعرفة في طرقِ حلِها ، وحُسن الدراية في ادارتها، وإتقان الوسائل التي تساعد في ممارسة السياسة وتجنب الأسباب المؤدية إلى الأزمات ،والصراعات،والتشرذم ، والتناحر ونشر الوئام بين الناس، والعمل على الاستفادة من خبرات الاخرين، والتخطيط لمستقبلٍ أفضل، والعمل على التغيير الدائم.والسؤال المطروح هنا هو كيف تم إفراغ الفعل السياسي من مضمونه؟ وكيف فقدَ المواطنُ الثقة في العمل السياسي وتملكه اليأس من السياسة؟ وما هي اشكالات الفعل الحزبي وأمراض العمل السياسي؟ وهل لدينا حياة سياسية ام نحن نعيش فقرا سياسيا؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد من تفكيك العمل السياسي والحياة السياسية وأشكال الممارسة السياسية، فضلا عن مسلكياتها التنظيمية والحزبية فمن المهم الوقوف على أمراض العمل السياسي التي اتسمت بها البنيات الحزبية في مختلف السياقات داخل مجتمعاتنا فالتركيز هنا يكون على أمراض السياسة، وعلى الطرق التي يعتمدها العمل السياسي في إدارة أزمة العمل السياسي من خلال ترك هذه الأمراض تستفحل، وتعطب البنى الحزبية، وفتح حوار فكري ونقاش سياسي حول المسألة الحزبية لمحاولة تطويق هذه الأزمة والخروج منها، وبناء أرضية صلبة للعمل السياسي وبنية الاحزاب السياسية.اذن نحن امام مستويات ثلاثة للعمل السياسي وهي، الفكر السياسي، والممارسة السياسية، والتنظيمات السياسية، ودراسة حالة البنى الحزبية، واسباب تراجع الظاهرة الحزبية، ومظاهر الانحطاط الحزبي.
الحياة السياسية تتحكم فيها عدة عوامل ومقاربات تفسر الأزمة السياسية، وتتمثل في: الفقر والأمية، وضعف الفضاء السياسي، الذي خلق ظاهرة العزوف السياسي؛ أي غياب الثقة بين المواطن والتنظيمات الحزبية، والاحزاب السياسية، والبنية التنظيمية، وإدارة العمل السياسي والحزبي داخل المجتمع وضعف القدرة على إدارة الاختلاف ما بين التيارات السياسية. وغياب فكر سياسي متطور والبقاء على الافكار القديمة المناقضة للحياة الجديدة داخل الجسم الحزبي، هذه الاسباب هي المسؤلة عن تأزم الوضع الحالي.فأزمة الحياة السياسية والفضاء السياسي والحقل السياسي والعمل السياسي تبدو كأنها الفرصة المناسبة لمراجعة فكرية عميقة للعمل السياسي، يمكن من خلالها دراسة هذه الظواهر والعلاقة بينهما.
ففهم هذه الظواهر لا يتم انطلاقا من مجال معرفي واحد، بقدر ما تتمثل فيها أبعاد مختلفة تستدعي التفكير فيها باعتبارها وحدة كلية معقدة والتفكير فيها يتم بطريقة متعددة التخصصات، وهذا يحتمُ علينا استدعاء كفاءات ومعارف متنوعة فمعرفة (متى حدثت وكيف حدثت وما هو خط سيرها وكيف يتم مواجهتها) امر مهم فالتحوّل من النظرة السطحية إلى النظرة العميقة للظواهر تحقق المرجو منها.
ان الأمم التي تمر بتجارب قاسية مثل الحروب وغيرها من الامور تكون امام اختبار لما أنجزه المجتمع في أوقات العافية من معارف وبنى تحتية، ومستوى الإنسان من حيث الوعي والانضباط والتحمل والعطاء، والمجتمعات السليمة تنتهز الفرصة للتعلم ومعرفة النواقص للقيام بمراجعات كبرى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار