الحسين .. وتحرير الارادة

الحسين .. وتحرير الارادة

سعيد البدري

تـبـكيكَ عيني لا لأجلِ مثوبة ٍ
لـكـنّـمـا عيني لأجلِكَ باكية ..

 

 

شكلت مدرسة سيد الشهداء الأمام الحسين بن علي ( عليه السلام ) الثورية علامة فارقة في التاريخ الاسلامي ،وكانت بحق مدرسة انسانية واخلاقية عظيمة يستمد منها الجميع على اختلاف مشاربهم دروس الشجاعة والتضحية والأباء ،ليس ذلك فحسب بل تمتد لتكون مدرسة تربوية ،تهذب النفس البشرية وتقودها نحو طريق الصلاح والسمو ومجاهدة الوساوس وحالات الضعف والانكسار .

بيان النهضة الاول او البيان رقم صفر الذي يكشف عن حقائق بارزة ومهمة ،تلخص المطالب و تشكل وعي المنضوين تحت لواء هذه النهضة منذ انطلاقتها وصولا لعصرنا الحالي ،ويكشف بجلاء عن عظيم القيم الاسلامية المتصلة بجده وامه وابيه واخيه الامام الحسن ابن عليه عليه السلام ، لقد كان هذا البيان واضح المقاصد ،جلي الاهداف ، عميق الدلالات ،كاشفا وشارحا عن صلاح النهج والغاية .

“إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”
بهذه العبارات والرسائل المدججة بالمعاني الحقة التي تعبر لا عن شخصه عليه السلام ،انما عن امتداده واتصاله بل وانتمائه لمدرسة جده العظيم سيد الانبياء و الرسل وخاتمهم ،ويكمل سلام الله عليه بيان النور والنهضة “فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين” .

ثائر وصاحب حق ينتهي الى الحق ذاته بطلبه الإصلاح في أمة جده صلى الله عليه وآله وللبيان
لابد ان نقف هنا ” فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق” فلم ينسب القبول لذاته ، وحسبه ، ونسبه ، و لا لمنزلة كانت له في اوساط المجتمع الاسلامي، و لا حتى لقرباه من جده سيد المرسلين ، انما قربه للحق كونه داعيا اليه ،مبينا لكل الذين يؤيدونه وعموم جمهور الامة ان يقبلوه ويحاكموا نواياه بعيدا عن نزوات السلطات، وطلب الامرة و التحكم بمصير الناس دون سند شرعي ،يليه تأكيد الكفاءة والجدارة وهل هناك اجدر منه عليه السلام .

في جزء اخر من سلسلة بياناته الثورية الرافضة للباطل يقف الامام موقفا اخر يببن فيه المؤهلات وصفات من ينتدب للقيادة ببيان صفات ضده فيقول “أيّها الناس، إنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله قالَ: مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغِرْ عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه ” ، ويشير ايضا الى حجية مخالفته ورفضه بعد ان عرض عليه القوم التسليم بالأمر الواقع “وقد عَلمتُم أنَّ هؤلاء قد لَزِموا طاعةَ الشيطانِ وتَولَوا عن طاعةِ الرحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطلّوا الحدودَ واستأثَروا بالفيء، وأحَلّوا حرامَ اللَّهِ وحَرَّموا حلالَهُ، وإنّي أحقُّ بهذا الأمر”.

نعم انها الاحقية التي أسس لها الله جل وعلا وعبر عنها القرأن الكريم وسيرة رسول الله ،فكان الاصلاح ،وفرض رؤية السماء بمواجهة الواقع الفاسد الذي تم التخطيط لتمريره ، واقناع الامة بأن الاستسلام له مصلحة عامة ، فيما يرى الامام الحسين ان تصديه ورفضه لهذا الواقع واجب ديني وانساني ،فكان بيانه تذكير للامة واستنهاض لها وتحرير لأرادتها ، يشير اية الله الشهيد السعيد السيد محمد باقر الحكيم قدست نفسه الزكية ،الى ان اهم هدف بل اكثر الاهداف التي سعى الامام الحسين عليه السلام لتحقيقها وتأكيدا واقعا خلال نهضته هو ” هز ضمير الامة ، وتحرير ارادتها ” واستمر تأثير ذلك الخطاب الحق بعد استشهاده عليه السلام والذي كان بمثابة شرارة انطلاق الثورة بعده واستمرارها حتى يومنا هذا ، فهل يستطيع رجل مع ثلة قليلة ،ان يكون بكل هذا التأثير ،أياً كانت مؤهلاته ومركزيته وقوته وسطوته ،وقطعا لا يمكن للمقارنات ان تصمد امام ذلك الصوت الهادر والعزيمة التي لاتلين .

ان الخلود الحسيني هو خلود وجداني جرى تثبيت عراه بالدم ،والاصرار على اعادة الامور الى نصابها ،لأستعادة تحكيم النهج النبوي ، و رفض الانحلال والاستهتار الاموي ،وهنا لابد من نفي الصلة التي يعتقد البعض انها السبب الذي دعا الامام الحسين عليه السلام للقيام ومواجهة التغول الأموي ،حيث يعتقد البعض من مدارس الجمهور ،ان صلة القربى وكونه حفيدا لرسول الله صلى الله عليه واله هي من دعته لأتخاذ هذا الموقف ،وبالتالي فهو ضحية هذه العلاقة ،والحقيقة انه عليه السلام نوه لذلك ،وبين ان ارتباطه بالاسلام اساسه عقائدي لا نسبي وان التوصيف النبوي ( حسين مني وانا من حسين ) لا يشمل الحالة النسبية فقط ، بل يتعداها ليرتبط بالحالة الايمانية الاعتقادية الراسخة من امام ابن امام اخي امام صالح عادل،نقي السريرة ،لاتهزمه الدنيا ولا تهزه تقلبانها فغادرها ثائرا ،واستمر بها بعد استسهاده ليخلد فاتحا محررا ناطقا بالحق ،حاملا لقيم العدل والفضيلة والصلاح ،مؤثرا مصلحة الامة وحفظ الدين ،كتكليف سماوي ،فأقترن اسمه الشريف ووجوده الخالد بالاسلام الأصيل ،وأقامة الحق وافشاء العدل ،باذلا كل شيء في سبيل الله وعلو دينه وجزءاً لا يمكن فصله عنه ،ومقروناً بوجوده وبقائه ” إن الدين عند الله الإسلام” .
اذن نحن نخوض بسر من اسرار الوجود والخلود ،لنخلص لذات النتيجة التي سبقنا الى حقيقتها وكنهها الكثيرين ،لنقول ما قالوا ورددوا من كون الاسلام محمدي الوجود ،حسيني البقاء ، ولله درء الشيخ محسن ابو الحب الذي قادته بصيرته وعشقه للامام الحسين عليه السلام ،فأجاد التعبير عن ذلك الذوبان الحسيني في الله حين قال ( ان كان دين محمّد لم يستقم إلاّ بقتلي فيا سيوف خذيني ) ، ليستقيم كل شيء بعده ،وتمضي مشيئة الله ان يقترن دينه بتضحية قل نظيرها،انهزم فيها السيف ،وانتصرت ارادة الدم المسفوك ، ليصبح عنواناً يلوذ به جميع الاحرار ،في كل زمان ومكان  ..

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار