أكمال الدين واتمام النعمة …

أكمال الدين واتمام النعمة …

سعيد البدري

اعظَّمَ اللهُ تعالى بعض “أيامَه” التي اختصَّها دون غيرِها من الأيام تشريفاً لها وتأكيداً لاهمية ما خصها به من أحداث وقد نسبها لذاته جل وعلا وعبر عنها في محكم كتابه العزيز ب “أيام الله” ، فاوردها في أياته وهو يخاطب نبيه موسى عليه السلام بقوله ( وذكرهم بأيام الله ) حيث جاء الأمر الالهي داعيا للتذكير بهذه الايام العظيمة والتعريف بما لها من الشرف والكرامة ، ما يعني ضرورة شرح وتبيان اهميتها وما يرتبط بها وما يترتب عليها وهو امر يدعونا لأن نقف مطولا ونبحث في العلل من وراء هذا التخصيص والحث على التذكير وابقاء هذه الايام في الذاكرة الانسانية ..
في رزنامة الاحداث التي عاشها النبي صلى الله عليه واله وسلم اواخر حياته الشريفة نجد جملة من هذه الاحداث الهامة التي مهدت لما بعدها وكونه عليه واله الصلاة والسلام الأمين المؤتمن على الشريعة والمعبر عنها نلاحظ بوضوح اصراره على رسم مسار واضح للامة وقد جاءت التأكيدات الالهية بنص القرأن الكريم على اهمية تبليغ الرسالة الاهم وتمرير مضمونها بوضوح تام دون لبس او تأويل فكانت حجة الوداع وكان ما كان من التبليغ بعدها ” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ ” وجاء ما بعد ذلك ليؤكد ما كان يخشى منه ” وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ”
فكان يوم الغدير الذي يعد يوما من أيام الله المشهودة ويوم العهد المعهود في السموات والارض وأهم عيد أسلامي كما تم توصيفه بعيد الله الاكبر ..
ان عيد الغدير وهو يوم تنصيب أمير المؤمنين علي ابي ابي طالب عليه السلام وليا و أماما يعد فتحا الهيا ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ” فالنص على علي وتسميته و تعيينه بالكيفية التي حدثت في غدير خم لا يجعل مجالا للشك ،أن النبي صلى الله عليه واله وسلم كان مأمورا ومبلغا وبعد تمام الحدث ووقوعه بالامر المباشر أكد اهمية ما حدث بكونه اكمال للدين واتمام للنعمة فالوصاية امر عقلي والقيمومة على الدين بعد عهد النبي الذي صرح بقرب الرحيل كان يحتم ان تتجه الامة وفي حياته صلى الله عليه واله لمن يخلفه ويؤدي عنه و يحرص اشد الحرص على اكمال طريق التبليغ ومواجهة التحديات وحفظ وحدة الامة وسلامة نهجها بالاخص بعد دخول الناس افواجا في الاسلام وعدم تحقق كل اهداف الدعوة النبوية الشريفة ولعل هذه الاسباب الموضوعية وغيرها كانت ضرورات لحفظ الدين بتمامه يوم التبليغ الاعظم والتنصيب الالهي الابلغ والاظهر ..
ان عيد الغدير كان درسا للامة ومازال كذلك واحيائه فرض عين على كل مسلم مدرك لحقيقة ما يعنيه عيد الغدير كيوم من ايام الله العظيمة فما يحتويه من حجج وبراهين وادلة على الاحقية العلوية لوراثة النبي ،تلك الوراثة الايمانية لا النسبية يدعو لاداء الواجب تجاه هذا الامام المغتصب حقه ، المجهول قدره ،كما ان المسؤولية تمتد لتشمل التعريف به وبهذا اليوم الحق ودحض كل المدلسين والانقلابيين ممن تنكروا لبيعته اماما وقائدا و مولى لكل مؤمن ومؤمنة ..
الاحتفاء والمشاركة بأي صيغة كانت وبأي جهد خير يدفعنا للاجتهاد ويقودنا للبحث عن جدوى هذا الاحتفاء وفي هذا المجال ينبغي ان نرجع للامر الرباني المباشر بضرورة التذكير بأيام الله وما ينطوي عليه هذا التذكير من فوائد كبيرة ستسهم برسم مسار مغاير لما ارادته تلك الارادات الشريرة الدنيوية النزعة قبالة المسار الالهي الذي وعد بأنتصار ارادته ومشيئته ” يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ” فالمشاركة بهذا التنوير انما هو انتصار لارادة الله وتحقيق لوعده فهنيئا لمن احيا واحتفى وانتصر وواصل طريق التبليغ وفضح اولئك الانقلابيين الظلمة واعلن الحجة الدامغة منتصرا لقيم العدالة والامانة سيرا على نهج النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم في تبليغ رسالات ربه وتبصير الامة بما لعلي عليه السلام من حق لن يسقط بالتقادم كما يزعم المبطلون ممن استحوذ عليهم الشيطان فبأووا بغضب منه لمخالفتهم صريح تعاليمه .
لذا فأن دعوة الاحتفال والاحتفاء والتعريف والتبصير وشرح المضامين ونشر الادلة والبراهين باعتبارها احياءا وتعظيما ليوم من ايام الله ( عيد الله الاكبر ) عيد الغدير الاغر وعلى مختلف الاصعدة والمستويات والمشاركة الجماعية بهذه المناسبة هي دعوة لله ودعوة لتنزيه رسوله ممن حاولوا نسب العصبية القبلية والانحياز النسبي له ونفي عصمته واتصاله بتعاليم السماء في نكرانهم ومخالفتهم لتنصيبه عليا في غدير خم وقد ساقهم هذا النكران لاقصائه والتمرد على ما جاء به من الحق ، وهي دعوة مفتوحة لا تحتاج لتبيان بقدر الاحتياج للتذكير بها ..
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار