اليمين المتطرف يتجه لاجتياح البرلمان الأوروبي ومخاوف للمهاجرين

اليمين المتطرف يتجه لاجتياح البرلمان الأوروبي ومخاوف للمهاجرين

دولي: متابعة/ جدار نيوز.

مع اقتراب موعد انتخابات البرلمان الأوروبي، يظهر أن الساحة السياسية الأوروبية على موعد مع “تحول جذري” قد يعيد رسم خارطة سياسات الاتحاد الأوروبي وتوازن القوى بداخل أروقته، في ظل تصاعد شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة في أغلب أنحاء القارة وتوقعات تحقيقها مكاسب تاريخية في الاستحقاقات المقبلة.

وتكشف أحدث استطلاعات الرأي تنامي شعبية الأحزاب اليمينية المتطرفة والقومية في مختلف الدول الأوروبية، مما يرجح إمكانية تحقيقها لنتائج غير مسبوقة في الانتخابات المقررة بين 6 و9 يونيو حزيران المقبل.

وذكرت صحيفة “بوليتيكو”، أنه بعد عقود طويلة من اتحاد الأحزاب السياسية من جميع التوجهات لإبقاء القوى اليمينية المتشددة بعيدة عن السلطة. تتفكك اليوم هذه الاستراتيجية المعروفة في فرنسا باسم “جدار الحماية”.وتثير هذه التطورات تساؤلات بشأن تداعيات هذا “الاختراق” على مستقبل الاتحاد الأوروبي وسياساته، وأيضا انعكاساته على عملية صنع القرار وتوجهات التكتل الأوروبي في المرحلة المقبلة، لا سيما في ظل تبني هذه الأحزاب لمواقف متشددة تجاه قضايا الهجرة واللجوء والتغير المناخي والإنفاق الدفاعي وغيرها من الملفات.

توقعات واستطلاعات

ويعد البرلمان الأوروبي أحد الكيانات الثلاث الرئيسية بالاتحاد الأوروبي، إلى جانب كل من المجلس الأوروبي الذي يبقى أعلى هيئة بالتكتل، ويضم رؤساء الدول والحكومات، ومجلس الاتحاد الأوروبي الذي يعرف كذلك بالمجلس الوزاري، والذي يضم ممثلين وزاريين مختصين عن كل بلد.

وتتشكل المؤسسة التشريعية الأوروبية من 705 نائبا ينتخبهم أكثر من 370 مليون شخص من مواطني دول الاتحاد، ولكل دولة من الدول الأعضاء عدد من المقاعد البرلمانية يتناسب مع عدد سكانها. وينقسم الأعضاء داخل الاتحاد إلى فرق ومجموعات برلمانية بناء على توجهات البرلمانيين وانتماءاتهم السياسية، وتتمثّل أدواره أساسا في التشريع والمصادقة على القرارات.

وبعد سلسلة من الانتكاسات الأخيرة، تهدف أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا إلى تحقيق مكاسب كبيرة في انتخابات البرلمان التي يرتقب أن تنطلق يوم 6 يونيو بهولندا على أن تعقد بباقي دول الاتحاد في التاسع من الشهر ذاته.

ومن المتوقع أن يؤكد “حزب الشعب الأوروبي” الذي ينتمي إلى يمين الوسط، أغلبيته النسبية في الانتخابات البرلمان الأوروبي، بتحقيق نحو 183 مقعدا، مع ثبات الحزب الاشتراكي الديمقراطي عند 140، وحزب التجديد عند 86، واليسار عند 44، وفقا لاستطلاع أجرته منصة “Europe Elects” ونقلت نتائجه وكالة “بلومبيرغ”.

وفي الوقت نفسه، يتوقع أن يخسر “الحزب الأخضر الأوروبي” ثلث تمثيليته، لينتهي به الأمر بإحراز 48 مقعدا، بعد أن تحطمت حزمة سياسات محايدة مناخيا، كان قد اعتمدها بسبب أزمة الطاقة التي تلت الغزو الروسي  لأوكرانيا وارتفاع تكلفة المعيشة.

وعلى الجهة المقابلة، تشير استطلاعات أجرتها “يورونيوز” إلى أن القوى اليمينية المتطرفة والمحافظة المتشددة في طريقها لتحقيق فوز كبير.

ومن المتوقع أن يحصل “تحالف الهوية والديمقراطية”، الذي يضم في صفوفها حركة التجمع الوطني التي تتزعمها مارين لوبان في فرنسا، متقدما بنسبة تزيد عن 30 بالمئة على حزب “النهضة” للرئيس إيمانويل ماكرون، وفقا لاستطلاعات بوليتيكو. 

ويضم تكتل الهوية والديمقراطية أيضا الحزب الذي يقوده خيرت فيلدرز، اليميني المتشدد والمعروف بمعاداته للإسلام، ويرتقب أن يحصل (التكتل) على 84 مقعدا، بارتفاع من 58 في الانتخابات السابقة.

وفي ألمانيا يأتي “البديل من أجل ألمانيا”، وهو حزب تحت مراقبة الشرطة بسبب آرائه المتطرفة، في المرتبة الثانية، متساويا مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

وبإيطاليا، لا تزال رئيسة الوزراء، جورجيا ميلوني العضو في “تحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين”، وحزبها “إخوة إيطاليا”، في طريقهما للفوز بـ 86 مقعدا، بارتفاع من 68 مقعدا في الانتخابات السابقة.

قراءات التحول وخلفيات الصعود

ومن شأن أي تحول كبير نحو اليمين المتطرف أن يدفع قضية الهجرة إلى صدارة الأجندة السياسية الأوروبية في السنوات المقبلة، ويعقد التقدم في خطة الاتحاد الطموحة للمناخ، وفقا لبلومبرغ.

كما سيكون هذا الصعود بمثابة إشارة تحذير للحكومات الوطنية من خلال تسليط الضوء على تراجع الدعم لقادة مثل إيمانويل ماكرون في فرنسا، وأولاف شولتس في ألمانيا.

الخبير في الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، يقول إن كل التوقعات تشير إلى أن الأحزاب اليمينية المتطرفة ستحقق “تقدما ملحوظا خلال انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة”، وأيضا في الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى على المستوى الوطني في دول الاتحاد الأوروبي.

ويشير بركات في تصريح لموقع “الحرة”، إلى هذا الاجتياح اليميني يظهر خاصة في الدول التي استقبلت أعدادا كبيرة من اللاجئين خلال السنوات الأخيرة، تماما كما حصل في إيطاليا والسويد والنمسا وغيرها. 

بدوره، يقول الصحفي المختص بشؤون الاتحاد الأوروبي حسين الوائلي، إن هناك صعودا متوقعا لليمين الأوروبي، إذ أنه “سيحقق فوزا كبيرا سيغير اللعبة” في داخل الاتحاد.

ويشير الصحفي المقيم في بروكسيل في تصريح لموقع “الحرة”، إلى أن هذا التغيير سيشمل الإنفاق الدفاعي ومواضيع الهجرة واللجوء، بالإضافة إلى التنظيم الذي يرتبط بترتيبات البيت الداخلي الأوروبي.

ويمكن أن يحفز تشكيل كتلة يمينية متطرفة أكبر في البرلمان معارضة بعض أكبر المبادرات السياسية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك خطة لـ”تخضير الاقتصاد” والتحول إلى الحياد المناخي التام بحلول عام 2050.

كما قد يحاول اليمين المتطرف، وفقا لبلومبرغ، الضغط للمطالبة بمزيد من الخطوات الصارمة لمراقبة الحدود وتخفيضات جذرية في أعداد استقبال المهاجرين، بعد أن وافق الاتحاد على ميثاق جديد للهجرة واللجوء بعد نحو عقد من المفاوضات.

في هذا الجانب، يقول رجائي إن الأحزاب اليمينية المتطرفة تستغل تزايد أعداد اللاجئين والمهاجرين كورقة انتخابية في برامجها السياسية والانتخابية خاصة في ظل تراجع مستوى معيشة ورفاهية الشعوب الأوروبية.

ومن شأن هذا، يضيف المتحدث ذاته، أن يدفع الدول إلى تشديد الرقابة على الحدود الخارجية للدول الأعضاء في الاتحاد، وتقليص المساعدات المقدمة للاجئين، وربما محاولة إعادة أعداد منهم إلى بلادهم.

ويضيف المتحدث ذاته، أن هذه الأحزاب تستغل أيضا الصعوبات التي تمر منها الاقتصادات الأوروبية بعد فترة جائحة كورونا والتي فاقمها الغزو الروسي لأوكرانيا، مع ارتفاع الأسعار وخاصة الطاقة والمواد الغذائية وغيرها، من أجل الترويج لنفسها كبديل للأوروبيين.

ويؤكد رجائي أن “هذه الأحزاب لا تقدم أي حلول واقعية لإخراج دول الاتحاد الأوروبي من الأزمات الاقتصادية التي تمر منها، لكن قوة خطابها الشعبوي يقوّي رصيدها بين فئات من الأوروبيين”.

واعتمدت هذه الأحزاب أيضا على “فشل” الحكومات والأحزاب التقليدية في إيجاد الحلول المناسبة وتصاعد الأزمات في أوكرانيا والشرق الأوسط، من أجل من إحراز تقدم على حساب الأحزاب الاشتراكية والليبرالية والاجتماعية المسيحية واليمينية التقليدية.

وتلفت بلومبرغ إلى أن وصول الأحزاب المتطرفة إلى البرلمان الأوروبي من شأنه أن يؤثر أيضا على مسألة الدفاع، إذ من المرتقب أن تواجه دعوات لزيادة الإنفاق على البنية التحتية العسكرية الأوروبية ردا على حرب روسيا في أوكرانيا، معارضة من اليمين المتطرف، حيث لطالما ضمت هذه التيارات في صفوفها جيوبا تتعاطف مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

“التغيير الأهم”

ومن المتوقع أن يعقد البرلمان الأوروبي المنتخب جلسته العامة الأولى في 16 يوليو تموز وسيرث حوالي 119 مشروع مقترح من البرلمان الحالي، في قضايا وملفات تتراوح من التقنيات الجينومية الجديدة إلى صيانة التربة، وعملة اليورو الرقمية وإدارة الحركة الجوية.

في هذا الجانب، يقول الوائلي، إن “أهم تغيير” ستشهده أوروبا إذا حقق اليمين المتطرف النتائج المتوقعة سيكون “تعقيد عملية صنع القرار في أروقة الاتحاد”، وإنهاء الليونة التي كانت تطبع تمرير القرارات والقوانين الأوروبية في السابق.

ويؤكد الوائلي، على أن هذا “سيكون تحولا مفصليا ستكون له تداعيات كبيرة على سياسات وقرارات الاتحاد”.

ويضم البرلمان الأوروبي حاليا 7 كتل سياسية. أكبرها هو حزب الشعب الأوروبي  وهو تحالف من 84 حزبا من 44 دولة يضم أعضاءه، رئيسة المفوضية الأوروبية،  أورسولا فون دير لاين، ورئيسة البرلمان، روبرتا ميتسولا، ورؤساء وزراء كرواتيا واليونان وأيرلندا والسويد. 

ويمثل أعضاء “الشعب الأوروبي” مع الاشتراكيين الديمقراطيين ذوي التوجه اليساري الوسطي وحزب التجديد الليبرالي الوسطي، أغلبية مطلقة في البرلمان ومن المتوقع أن يحافظوا عليها، وإن كان ربما بهامش أصغر.

وفي المقابل، تشير بوليتيكو إلى أنه مع اقتراب انتخابات البرلمان الأوروبي تستغل الأحزاب المحسوبة على اليمين المتطرف الزخم الذي تتوفر عليه لتشكيل كتلة سياسية قوية، إذا ما استطاعت الحفاظ على وحدتها، لافتة إلى  الاختلافات والتباينات السياسية بين مكونات هذه الأحزاب.

في السياق ذاته، يشير رجائي إلى أن الخلافات الحاصلة في صفوف تيارات اليمين المتطرف “ستصعّب عليها تشكيل تكتل برلماني قوي بإمكانه التأثير بشكل كبير على قرارات البرلمان الأوروبي”، مشددا على أن “تأثيره سيكون أكبر على مستوى البرلمانات والحكومات الوطنية”.

في المقابل، يرى الوائلي أنه تبقى لهذه الأحزاب إمكانية تشكيل تحالف قوي، مع توقعات بتحقيقهم بين 110 و120 مقعدا، مما سيعطيهم قوة لإعاقة حالة الإجماع بالاتحاد وتمرير جزء من أجندتهم الخاصة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار