مفترق البؤس 24 يناير

مفترق البؤس 24 يناير

عفاف البعداني

يوم الإربعاء اليوم المقمر عندي، والأبلج في عين نفسي، أظل أنتظره لأهرب من مشاق عملي، وتعب جسدي، ومن ركضي المتواصل في تخفيف معاناة الآخرين لأعتني بما بقي مني ؛ هو يوم مخصص للتمني،للتخيل، للهروب، للتناقض،  للذكريات، ومرات كثيرة للمرض،يوم أخصصه  لتعديل أي نص أكتبه  ، هذا اليوم  أهيأ نفسي فيه بكامل دهشتي  للقراءة، أضع كأس الماء والموسيقى الهادئة المناسبة للقراءة، و أرتب غرفتي، وأتفقد قنينة عطري كم بقي منها، وكأنما سيأتيني ضيفا عزيزا يتنفس على روحية المكان، وكأن لي مقابلة حميمة أتجهز لها منذ بداية الأسبوع مع أشياء وأشخاص لا أعرفهم في داخلي وداخل الكتب،  لكن،  لا أدري أحيانا وأنا بكامل شوقي وشغفي، وجهوزيتي أقفل كتاب وعدت نفسي بقراءته،  وأتجاهل نصا يحتاج للمسة تعديلية  أخيرة حتى يكتمل ريعانه، تبرد قهوتي،  وينسكب السكون من هدأة الليل، ولا تبقى إلا رائحة العطر مستيقظة في أرجائي معلقة على الحائط والركن القريب مني، هكذا وبكل بساطة  أنسل من عالمي المحبب وأتركه وأنا جالسة، أنام بنصف عين، أتكئ على وسادتي و يخونني موعدي لأغفو وأفلت كل شيء بخاطري،  دون أن تكون نيتي في أي تخطيط مسبق في أن أهرب من هذا اللقاء بهذه الطريقة.

تارة أستيقظ وقد مرّت ساعة على ذبولي على منضدة، وعلى صفحة كتاب ، ونافذة شبه مفتوحة، وخيوط قمر ارتبطت بستائر الذات، أنتبه على شعور لا أعلم ماهيته بالضبط، فأجد نفسي مرهقة ولايسعني حتى النوم مجددا لتعود طاقتي،  فأدرك حينها أن أشيائي المفضلة، تموت بالتدريج، وحياتي تفتقد شعورا جميلا في أعماقها ببطئ، أشيخ بكامل هيأتي كل مساء وأرتب أحلامي للرحيل وربما المغادرة إلى حيث العدم، وهذا كله  حينما تتراكم عليّ أعباء ومشاق اليوم والأمس وحتى الليلة دون أن أعتني بها، أتذكر هذا الصباح وكل صباح قائم في أكتافي الملتهبة، أتذكر كيف أستيقظ وكأن كل أثقال العالم مركونة في داخلي، مع ذلك أجاهد تعبي، وأحمل حقيبتي، أوراقي المهمة، وبعضا من المهدأت، ونقيضتها المفاجآت أدهش بها تلاميذي، يقولون: أن في الأطفال طاقة إيجابية بمقدورها إزاحة كل ماتعانيه بمجرد أن تحتويهم، بمجرد أن تحتضنهم وتواسي قلوبهم اللطيفة، رفاهية روحي أقضيها معهم رغم شقاوتهم المهلكة، أعمل بجهد أقصد أعمل  بحب، وكأنني لا أعاني من أي مرض وكأن كل سعادات الحياة تبتعث من قلبي،  قوية،  حادة،  جادة، صبورة، متحملة، وأنا أفقد عافيتي،  وأنا أتدارك مابقي فيني من قوة، لأتخطى ضعفي ومرارتي  حتى النهاية، وثم يغلي صبري ليتفاعل دفعة واحدة،  وهكذا حتى يأتي نهاية اليوم وقد فقدت كل شيء أحبه،  وأنتظره .

كم أشفق على نفسي، وأحنو لها، وأربت عليها، حينما تختار النوم والاستلقاء والغوض في غمار عالم الروئ الذي لاينفك عنها، وكل مافيّ يريد أن يستيقظ ويشارك الليل أساريره، يريد أن يرش بعضا من أحابيل شموعه في أنحاء الليل المجيد،  أشفق على روحي عندما تغادر كل شيء تحبه بصمت، حتى نفسها لا تكاد تخبرها بذلك .

:

سأظل أحلم أنه سيأتي يوم وأكون كاتبة مرموقة،  وأديبة مخضرمة ليست كأي أحد…… حتى في بؤسها المفترق💙📖🪡

استدراك :

((“وكان لا بُدَّ من الصبر، ليس لأننا نُتقنه، ولا لأننا سعينا نحوه، بل لأننا لم نجد شيئًا سواه نتعلل به، ولم نجد من مهرب نحمي به أنفسنا من الجنون واليأس إلا به.”))

-أيمن العتوم || 📒

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار