غرائبية وحيد 4 📖

غرائبية وحيد 4 📖

عفاف البعداني

وحيد : سيد الحزن الطويل، والحظ المبهم، كيف كانت تقاسيم وجهك وأنت فاقد الوعي؟ مالذي رأيته وأنت في غيبوبتك، أيعقل فعلا أن روحك تريد أن تغادرك بهذا العمر ؟!   كيف صحوت؟! وكيف اقتنعت عائلتك أنك بخير، وأنت ساكن في جسد معذب ؟! كيف صارعت الكلمات ، وكيف أمسكت القلم وكتبت ويداك مرتعشة و تنتظر الموت بأية لحظة، إنني أقول لك همسًا من بين ضجيج الجميع مساءً خاصا لما تبقى منك، مساء خاصا لأنفاسك المنهكة ولزهورك التي هجرتها ولم تعد تحبها، إنني أشعر بك كثيرًا و لم أستغرب من كتابتك المستمرة  يا وحيد، من مرافقتك للكتب، رغم تكتل يديك بكل ألم، لم أعتب عليك حينما أقفلت هاتفك وباب منزلك ولم ترد على أي رسالة أو أي اتصال، إنه الاكتفاء المعتز بوحدته،  أعرف جيدا شعورك عندما قدمت استقالتك من وظيفتك إنه لشعور مرّا أن تقرر لنفسك حدود النهاية وتنسحب….؟!، إنه لشعور مرّ أن تترك شيئًا كان يشغلك عن مراقبة نحولك وجسدك الذي أصبح عظما مغطى بالجلد، إن ثيابك أصبحت واسعة ولم تعد تلائم جسدك، كل شيء تزداد غرابته معك إلا أنا ،  كل شيء أصبح يبتعد عنك دون أن تتشبث به ولم يعد الوقت مجدي في أن تعتني به إلا أنا……!؟.

كانت الوحدة خير ما فعلت وبدون أي خيارات أخرى، وأعرف جيدا، أن رائحة الياسمين لاتقاوم وتحطّ من وجع الصداع، أعرف أن فتاة بذلك القلب يمكنها أن تغزوا مرضك لتكون معها أقل مرضا ربما، لكن… ماأعرفه أكثر أنك لاتريد أن تعطيها أملا صغيرا وليس لديك من الحياة سوى القليل، لذا كنت أبتسم وأبكي بكلا الطريقتين عندما رفضت حياة الآخرين معك، و رفضت أحبّ مخلوقة لقلبك، كانت تترجاك وتريد أن تعيش معك كل لحظة تنهزم بها، ولو كانت غزيرة برائحة الموت، ولم تجبها،  لم تعطها أملا مع أنك بحاجة ماسّةٍ إليها، فكرت أن تلك النجمة تستحق الحياة بحرية دون أن تكبلها دموع التعلق في شخص قارب على الانتهاء، اكتفيت أن تموت لوحدك دون أن تعرض غيرك لأي جنازة قادمة.

كنت جادا في موتك لوحدك، كنت قويا عندما قبلت بالموت والحياة معا في قلب مليئٍ بالحب، كنت مستسلم للقدر دون أي عنفوان، لم تحب الحياة وهذا شأنك المحتوم فمن بمقدروه أن يتحمل ألمين بجسد واحد، ألم المرض، وألم الارتباط بياسمينة تحب الحياة ولاتريد أن تذبل بسرعة، لقد أكملت روايتك وأنا أشيع جنازة حقيقة ، أبكي بمرارة وكأني بذلك أقدم عزاءً مخلصا لياسمين، وإمتنانا جادا لكل المرارة التي قاسيتها بكل صبر وانفراد قبل أن تموت، أحببت قصتك رغم أنها “مأساة كتابة رسالة لم تستطع أن تنهيها” لكنها مثيرة لأمثالي الذين عاشوا فاقدين لكل أشياءهم الجميلة ويبتسمون و كأنّ الحياة لم تمسّهم بأية أذى ، إنني الآن أكتب إليك هذه الرسالة قبل الأخيرة ولايهمني متى وكيف تصلك، لا يهمني كم نسبة اللغة الأدبية التي أدررتها، ولا يهمني من قرأها حتى النهاية، يكفي أني كنت أعي ماهيتك الكتابية،وصبرك الإنساني وهذا أجلّ ما أجده بعد كل قراءة أن أعيش معاناة الكتُّاب وأقاسمهم الوجع بكل صدق.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار