غرائبية وحيد (1)
عفاف البعداني
_ “كن صَبُورًا كـَطفلٍ رأى دمُية منَ
خَلفِ الزّجَاج، فاحتَرم فقره وانصرف”
وحيد : آخر كتاب اختارته يدي دون علمي، مضت شهورا ولم أعهد مجيئي لهذا المكان الهادئ الذي يمتلئ بالكتب وتحرسه الذكريات المدربة على مآسي النسيان ، تراجعت عن الكتابة وأصبح منفاي عاقًا عن كتاباته القديمة ، غبار متراكم لا يمثل خوائي بأية سطر، شخص ممتلئ مثلي لايسعه أن يقرأ ولا أن يدوّن حرفا مما يعيشه، ولا أن يعيش طبيعيا كما يبدو عليه كل يوم، أمضي وأنا متعب، أنجز عملي بذكاء رغم ضراوة الأشياء بداخلي، نازف ولاتثيرني أي من قطرات الدماء الداكنة التي أخلّفها، أولي بظهري عن كل شيء، أتحملها وكأنها تعد لي حفلة كستنائية عند نهاية اليوم، وبالفعل أرى صبري متمردا ينهي نكايات الألم بألم مشابه فيحدثا توازن مرارات التألم ويخدر الجسم بالكامل فلا أعرف أي ألم سوف ينهي الآخر عند بدء الاستلقاء ، كل ما أرجوه في هذا الوقت، أن أنام على وسادة تأخذ قليلا من همومي وتكسبني القليل من الراحة لأبدأ يوما جديدا .
آلاف الحروف والمواقف تفتعل بي ألما دون أن أرشدها إلى أية جملة، أبتسم لها وهي تمزقني إربا فأجود عليها بمزيد من الصبر ، حتى أشتهي الموت على عتبات صمتي، ولا أموت فأنا أحيا بطريقة ما ! دون أن أبوح ،شابةٌ يافعة تعزف لحن البقاء لكنّ ظلها تحول لعجوز لاينتظر من الحياة أي شيء ، حتى البرد انتزع مني ألف معطف وأصبحت باردة الفكر والروح لايهمها أي حدث، لا أتذمر من أي موسم قادم، الصيف الشتاء الخريف لهم مهمتهم ولم أعتب على أي واحد منهم، على رغم قسوتهم المستمرة معي، لا يريبني أي قول أو أي تهمة أو أي تجريح أو أي خذلان جديد، أتحامى بأمل مختزل في نفسي بعيدا عن شفقة الخلق ومصلحتهم الرثة ، بل كل ما أسمعه لا يحدث شيئا في داخلي.
غياب الأشياء وحضورها لاتعنيني أبدا، قد أنسى فجأة مع من أتحدث، وأنسى أشياء كنت أحبها، أشياء كثيرة تلمحني بحب دون أن أعرف أي رابط كان بيننا نزعت خيوط العلاقات مع الجميع وبت فارغة من أي إمتنان حتى من نفسي صرت لا أعرفها، أتدرب على حبها كثيرا كي لا أتركها مجددا كما فعلت سابقا ، ولم يعد شيء يلفتني سوى أشعة الشمس المتأخرة، والخريف الأصفر، وماتخرجه الأرض رغم عقدة يباسها لكي نتعافى، يدهشني هذا الحب الكبير الذي يحمله قلبي في أي ظرف للجميع، رغم غرائبية وحدته وغزارة عزته، ربما دهشات أمي في أن أكون بخير تجعلني دائما بخير ولو كنت على غير ذلك .