ظل خائن

“ظل خائن”

 

الثقافية “جدار نيوز

… عفاف البعداني

في ظلام الغرفة المتهالكة، استيقظت على صوت الرعد المدوي.
الريح تصرخ خارج النافذة، لكنها لم تهزّني، كانت الغرفة مليئة بالغبار، والأشياء المتكسرة، والنقوش الباهتة التي تشوه الجدران.
هواء الغرفة كان خانقًا، وكأنّ الجدران تتقلص من حولي، رائحة العفن النفاذة اخترقت أنفي، وجعلتني أشعر وكأنني سأختنق. تلمست بطني الفارغة، وشعرت بالجوع يلتهم أحشائي.

تذكرت الخبز اليابس الذي علقته العجوز عند باب غرفتي، نهضت بخطوات متثاقلة وأغلقت الباب خلف ظهري، مع أنه لم يغلق بشكل صحيح.

كنت أظن أن العجوز تقصدني وحدي، لكنني اكتشفت لاحقًا أنها كانت تعلق الخبز للجميع؛ ربما كانت تعتقد أنها تكفر بذلك عن آثام والديها المتوفين. أمسكت الخبز بيديَّ كلتيهما، وأكلته بشراهة، لكن لماذا  مذاقه مرٌّ جدًا؟ شعرت أنّ هناك من يراقبني داخل هذه الغرفة. ظلي كان يتحرك على الحائط، وكأنه خائنٌ أيضًا.
كنت أرتجف من الجوع والخوف، لكن جسدي كان يتقيأ كل شيء أتناوله. كنت بحاجة إلى شيء آخر غير الطعام، لكن ماذا يمكنني أن أفعل؟

وفجأة، سقط غبارٌ على رأسي. نظرت إلى الأعلى ورأيت شقًا كبيرًا في السقف يتحرك فيه سرب من النمل.
همست في نفسي: “يالحظك! كيف تحتفظين بأشياءك الجميلة”؟!

ومع شروق الفجر، ارتديت معطفي الوحيد ودسست تحته بندقيتي. ابتسمت لها هامسًا: “أحبك كثيرًا، لكن آمل ألا أحتاجك أبدًا”. غادرت الغرفة بهدوء وتوقفت عند مكان تعليق الخبز. كانت هناك رسالة مطوية، فتحتها فكان المكتوب فيها: “ستموت”.

أدركت من خلالها أنني لست وحدي؛ وأن مخاوفي كان لها ما يبررها.
شخص قادم، وعليّ المغادرة، لكن إلى أين يمكنني أن أذهب؟ ومن سيصدق قصتي؟ فقد تخلى عني الجميع.

لكنني سئمت من الهرب، شعرت برغبة عارمة في مواجهة من يطاردني، لكن هذا المأوى كان على الأقل مكانًا آمنًا.
لم يكن عليّ الإجابة على الأسئلة، فقد أصبحت محتالًا في نظر الجميع.

صعدت الدرجات ببطء، وأنا أتلفت إلى الخلف في كل خطوة. وصلت إلى السطح ووقفت هناك لبرهة، أستنشق الهواء النقي بعمق، أبكي بغزارة وأنا أسمع أصواتهم لكنهم بعيدون. إن هذا العالم يزعجني كثيرا، أفسدوني أيها الرحيل، لست قذرا ولست قاتلا، أرجوك لاتمقتيني أشعر أن الهواء ناقم ومغتاظٌ مني، لم أقترف ذنبا، إن الجميع يفعل هكذا.

لم تمر سوى لحظات حتى عدت أدراجي. رأيت رجلًا يقف بجانب غرفتي، يداه مقيدتان خلف ظهره، انتابتني رعشة عنيفة.

نظر إلي وقال: “هل تعلم أنك الوحيد الذي نجا منهم؟” ثم قال بنبرة حادة: “لماذا قتلته؟”

رفعت حاجبي ساخرا: “لا أعرف ماذا تقول، ولا يهمني أيضًا”.

– لكنه كان يهمك، وكان يخصني.

عدت إلى غرفتي وجلست على الأرض، كنت أتصبب عرقًا وأتجاهل الألم الذي يمزق جسدي. لم يكن في الباب مقبض لأغلقه، وبقيت جالسًا أتذكر كيف فقدت كل شيء في لحظة واحدة.

ظللت واقفًا بالقرب من الباب، أتوقع مجيئه. ساد صمت رهيب في هذا الفراغ الذي بيننا، وظننت أنني نجوت، لكن صداعًا مباغتًا بدأ يهدني، لم يتوقف عن القرع في رأسي. “لماذا لا تتركني أيها الصداع؟” توسلت، “ألم تصدق أنني بريء؟”

فجأة، امتدت يد من خلفي. كانت أصابعه الباردة تلامس شعري، ثم استقرت يداه على كتفيّ. حاولت أن ألتفت بجسدي تجاهه لألكمه، لكنه لم يهتم. لقد ضحك بصوت مرتفع وقال: “ستموت”.

استدرت ورأيت خلف النافذة عين حديدية مصوبة نحوي، انبثقت منها رصاصة بهدوء مخادع، سمعت دوي الطلقة الأخيرة.

سقط جسده الثقيل على الأرض، وشعر بروح تفارقه. نظر إلى الأعلى ورأى غيمة من الدخان تصعد نحو السماء، تاركةً جسده وراءها.

أشرقت الشمس في ذلك اليوم، وكانت رائحة البارود تفوح في الغرفة، تختلط برائحة الانتقام.

* ماذا قال لك قبل وفاته؟

لا يهم، لا أؤمن به ولا أصدقه.

* لكنهم عرفوا.

تخلص من جثته في أسرع وقت.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار