صيف التَّاسع والعشرون من حزيران…

صيف التَّاسع والعشرون من حزيران…

بقلم : رويدا البعداني.

 

شفت الشَّمس غروبًا ياأخي، شفها وجد جديد، وهأنذا أكتُبُكَ بأنأمل فؤادي وبحبرٍ من وريد، أكتُبُك بأبجديةٍ على غيرِ مايرام _تشكُو احتقان الكلم _ وبروح جلدتها الوحدة مُناها أن تعود…….أتعود؟!

لا أعلم أنك تعلم…أنه لم يبرحنا الصَّيف بعد، أيام قليلة وتعلن سنابل الأهالي موعد الحصاد، سيعاود أبي تشذيب الزّرع المضمحل تاركًا للمتّنامي حريتهُ في التَّمدد والصَّبابة، ستبدو قريتنا أكثر جمالًا وألقًا بحقولها ومروجها ورضابها وردائها العشبي.

سيترنم الفلاحون بالأهازيج الشَّعبية العتيقة فتلوح رائحة الماضي_ الزَّمن الجميل_ آن (التِّلام)، فيما تهبُ ذكرى الأمس من جهةِ القبلة الأولى، حينما بلّل ندى الحب السماوي قلوب العذل فازداوا هيامًا وعشقًا، سيبخبر العجوز حبيبته السّمراء المسنّة أنه وقبل أعوام خلت حينما رآها بقميصها الصَّيفي، وضفائرها المجعدة، وملامحها الحزيرانية تدنو من ضفة الوادي هام بها منذ الوهلة الأولى وظلَ لأيامٍ معدودة يمسُّد خصلات الزرع حتَّى تملَّكها ذات حلال.

أمَّا ثكالى الحروب فسيمررنَ بأيديهن على أضرحة الأحبة، ستأتي أختُ علي وتضرج قبر أخيها ألوانا وردية الأنين وتشيدهُ كما جرت العادة، وجارنا الفاضل الذي أكل الدهرُ منسأته وجارت عليه الليالي سيفتح نافذته المواربة لمقبرة القرية مستحضرًا طيف ابنه الراحل معانقًا أطلاله الباقية يقتاتها خبز حياة، والطفلة المفجوعة برحيل والدها ستطرق نافذة الأسية :”استيقظ ياأبي؛ استيقظ وكفكف دمع أمي وأخبرها بأن العيد قريب”.

أما أنا…!! أما أنا ياأخي فقد غدوت تائهة الروح أتخبط في دياجير الليل البهيم، على قارعة الوحشة أرقب أملًا ينتشلني … إلى ماخلف خلف المدى…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار