سبعة شموع

سبعة شموع

الزهراء ياسر

“يابني، إنك من أرض سُجِل تاريخها بدماء أبطالها، من أرض يولد الأطفال فيها رجالًا يقاتلون أعتى القوات في ميامين القتال، بسلاحهم الرباني والحجارة، فيها يولد الطفل الرضيع تحت أنقاض الركام بلا سعادة ؛ فتكتب شهادة وفاته قبل الولادة، ويحيا فيها الحر مرتين ولا يموت، وما نحن في هذه الأرض إلا مشاريع شهادة”. لكن صوت أمي بدأ يتلاشى كمبنى المدينة الذي كان منتصبا للتو والذي قصف بقذيفة الأسى المحملة بالآلام، الزغاريد تحوي المكان وحولي الكثيرون ممن يفوحون برائحة المسك ويحملون في طيات قصصهم كلمات أمي ..
كانت الزغاريد والأحاديث تتعالى، كان بينهم صوتًا مألوفًا لي لاشك بأنه صوت جدتي كانت تقول والدموع تشق خديها الرماديين كأنهما نهران تفجرا من أرض جرداء: هاهما ولديّ عادا عروسين من جديد بلباسٍ أبيض، ثم كللتهما بالورد والياسمين بعد أن تحسست خديهما وقبلتهما وأمرت من حولها بالتأمل في البسمة التي ملأت شفتيهما،
كيف لهما ألا يكونا سعيدين وهاهما شهيدان في طريقهما إلى الجنة التي لطالما أخبراني عنها!، لتقطع جدتي أفكاري وهي تعلوا بالزغاريد مجددًا، وتتقدم موكباهما المهيبين وتزفهما نحو المقبرة بجانب أصدقائهم الشهداء، كنت أتمنى إلقاء نظرة عليهما والسير في موكبهما، حاولت برفق أن أحرك باقي جسدي، ولكن كيف لي السير وقدمي اليسرى تنام بجانبي وجسدي قطعت ثلج قد تفحمت حتى أنه لم يستطع أحد التعرف علي فكُتِبَت كلمة مجهول على الرداء الذي لفوني فيه، وحملت أنا الآخر على الأكتاف ورددو حولي “لا إله إلا الله والشهيد حبيب الله” “بالروح بالدم نفديك يافلسطين” …
ثم واروني بعدها في التراب المظلم الكئيب وضعوني في ذات الحفرة التي وضعوا فيها والدي، كنت بعيدًا عنهما، لكنني لم أشعر بالخوف فيدي لا زالتا تمسكا بيد أمي تحت أنقاض منزلنا الجميل وبجانب الشموع السبع التي كانت على كعكة عيد ميلادي والتي تركت فيها أمنيتي التي تردد صداها في المكان باستدرداد الأرض والصلاة في الأقصى وانتهاء الحرب…

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار