آفةُ التواصل الاجتماعي

آفةُ التواصل الاجتماعي

محلي: متابعة/ جدار نيوز.

تتألفُ عائلةُ أبي أحمد مِن ثلاثةِ أبناء هم: أحمد وأكرم وأيمن، وبنت واحدة اسمها أنغام.
كانَ أبو أحمد رجلاً مؤمناً وصاحبَ أخلاقٍ، وكذلك زوجته. في كلِّ ليلةِ جمعة يقومانِ للصلاةِ جماعةً في بيتِهم المباركِ ويقرآنِ دعاءَ كميل معَ زيارةِ عاشوراء ثمَّ الدعاء للإمامِ الحجةِ (عجل الله فرجه الشريف) بتعجيلِ فرجهِ. يحبُّ أولادَهُ ويدعو لهم دائماً بالسترِ والتوفيقِ والهدايةِ والثباتِ على طريقِ محمدِ وآل محمد.
كانَتْ أنغامُ طالبةً بالصفِ الخامس الإعدادي تعرفَتْ على شابٍ من خلالِ الانترنتِ فَقامَتْ بِالتواصلِ معهُ.
كانَ مؤدباً في بدايةِ الأمرِ، ويتحدثُ معها عَن الدينِ والحجابِ والأخلاقِ والحفاظِ على تربيةِ أهلِها، لكنَّ مكيدةً كانَتْ تدورُ في بالِهِ، تشبهُ مكائدَ بعضِ ذئابِ العصرِ، يعرفُ كيفَ يجذبُ الناسَ بالكلامِ المعسولِ، أصبحَتْ تحدّثُهُ كلَّ يومٍ وتستمرُّ حتى منتصف الليلِ. وأحياناً حتى أذان الفجرِ. تراجع مستواها الدراسي، بعثَ لها بصورتِهِ الشخصيةِ فزادَتْ تعلقاً بِهِ. دخلَ الخوفُ قلبَ والدتها بسببِ تغيّرِ سلوكِ ابنتها وتخلفها عن أوقاتِ صلاتها، خصوصاً صلاة الفجرِ وكذلك تركَتْ صلاةَ الليلِ بعدما كانَتْ مواظبةً عليها.
جلسَتْ أم أحمد في ساحةِ البيتِ تنتظرُ عودةَ ابنتها لِتكلِّمَها عَمَّا يجري وعَن السببِ في تغيّرها.
في هذه اللحظةِ دخلَتْ أنغام وعلى وجهِها ابتسامةٌ، كانَتْ تتحدَّثُ بِصوتٍ خافتٍ ومِن حينٍ لآخرٍ تُطلقُ ضحكةً.
صعدَتْ غرفتها وأغلقَت البابَ.
فلحقَتْ بها والدتها. فسمعَتْها تقولُ: إنْ شاء الله الليلة ابعثُ لك رصيداً حتى نتواصل، أُريدُ أنْ نلتقيَ غداً بعدَ ما أخرجُ منَ المدرسةِ. نزلَ الكلامُ على قلبِ أُمِّها كالصاعقةِ فصارَتْ تَرتجفُ.
ثمَّ فكّرَتْ قليلاً وحافظَتْ على هدوئها فهي تريدُ انقاذَ إبنتها والحفاظَ عليها. فوالدها بالعمرةِ وأخواها لو عرفوا فسيقتلونها حفاظاً على سمعتِهم بِالمنطقةِ. ذهبَتْ وتوضأتْ وصلّتْ صلاةَ الاستغاثةِ بِالسيدةِ الصديقةِ (عليها السلام) وطلبَتْ منها وبِمنزلتها عندَ الله (تعالى) أنْ تساعدَها وتحافظَ على ابنتها الوحيدةِ ودموعها تتساقطُ على تربةِ سيدِ الشهداءِ. ثم ذهبَتْ إليها وطرقَت البابَ وقالَتْ: لِنجلسْ ونشربْ فنجانَ قهوةٍ بينما أسردُ عليكَ حكايةً.
فاعتذرَتْ أنغام بأنها متعبةٌ بسببِ صداعِ رأسِها. فأخبرَتْها أنها لنْ تطيلَ، فقبلَتْ على مضضٍ. جلسَتْ أنغام على الطاولةِ بينما أحضرَتْ أمُّها القهوةَ.
-ابنتي، ما رأيك بفتاةٍ خانَتْ ثقةَ أهلها فضيعَتْ صلاتَها وسمعةَ أهلِها؟
أليسَتْ هذهِ البنتُ تساهمُ بكسرِ ضلعِ الزهراءِ (عليها السلام) مجدداً، وتزيدُ جراحاتِ إمامها الحُسين (عليه السلام)، أليستْ هذه قَد خانَتْ دماءَ الشهداء؟
-انصدمَتْ ودمعَتْ عيناها، بلى يا أُمّاه، مثلُ هذه الفتاة أضاعَتْ دُنياها وآخرتها، وَنَكسَتْ بِرأسِها.
-سمعْتُكِ تتكلمينَ مع شخصٍ، من هذا، هل نعرفُهُ؟ تكلّمي معي ابنتي بهدوءٍ ولا تخافي.
-فَقصَّتْ على أمِّها كلَّ حكايتها.
-ابنتي سأسامحُكِ هذه المرة وسيبقى الأمرُ سرّاً بيننا، ولكنْ بهذِهِ الشروطِ:
إنْ تقومي وتتوضئي وتتوجهي لِمصلّاكِ وتتوسلي إلى الله (تعالى) بقلبٍ منكسرٍ عسى أنْ يسامحَكِ ويغفرَ لك ويبعدَ عَنك كلَّ حرامٍ ويستركِ فهو أرحمُ الراحمينَ. ثم احذفي حسابَكِ الخاصَ ولا تُراسلي أيَّ شخصٍ. فليسوا أهلاً للثقةِ، فأمامُكِ مستقبلٌ زاهرٌ وسيرزقُكِ الله (تعالى) بِمن يستحقُكِ بالطريقةِ الصحيحةِ عندها سيأتيكِ مِن البابِ وليسَ الخداع. فهؤلاء يتسلونَ فقط. ولا أهدافَ نبيلةَ لديهم.
-قبلَتْ أنغام شروط أمها وقبّلتْ قدمَ أمِّها. وعادتْ أنغام تلك الفتاة المؤدبة المؤمنة المحافظة على صلواتها وعفتها. وتعلّقَتْ بالعباداتِ أفضلَ من قبل. بعدَ أسبوعٍ من الحادثةِ رأتْ شاباً واقفاً عندَ بابِ المدرسةِ ينتظرُها ومعهُ ثلاثة منَ الشبّانِ. خافَتْ أنغام وارتبكَتْ. لكنَّ الشابَ ناداها باسمِها وتقدّمَ نحوها. حيّاها وسألَها عَن سببِ انقطاعِها عَن مراسلتِهِ وعمّا إذا كانَتْ بخيرٍ. فَحاولَتْ التهرّبَ مِنهُ والاعتذارَ.
لكنَّهُ امتنعَ عَن الذهابِ وألحَّ عليها أنْ تأتيَ بصحبتِهِ وإلا، فإنَّ جميعَ الاتصالاتِ مسجلةٌ بالصوتِ وكلّ كلماتها موجودة. فاشتدَّ خوفُها وتوسلَتْ فيما بينها ونفسها بِسيدةِ نساءِ العالمين (عليها السلام) أنْ تُخرجَها من هذه الورطةِ ولنْ تعودَ مجدداً لهذه الأعمالِ. في هذه اللحظةِ مرَّ أخوها أحمد بسيارتِهِ فَلمحَها تتحدّثُ لهذا الشابِّ فنزلَ مسرعاً.
اتجهَ نحوها وهو غاضبٌ بينما هربَ الشبابُ فسحبَ أختَهُ مِن يدِها وأدخلَها السيارةَ ثم اتجهَ مسرعاً إلى البيتِ لِيُحققَ معها.
حينها تدخلَتْ أُمُّها وأعلمَتْهم بِقصتِها.لكنَّ أحمد غضبَ وأصرَّ على أنْ تتركَ أنغام المدرسةَ. كما وقد أخذَ إخوتها منها الهاتفَ، وأصبحَتْ سجينةَ البيتِ منقطعةً عَن المدرسةِ، تقضي يومها بالبكاءِ وتتوسلُ بِأُمِّها أنْ تسمحَ لها بالعودةِ إلى المدرسةِ.
كما أخذوا رقمَ ذلك الشاب مِن جوالِها واتصلوا بِهِ مِن أرقامِ مختلفةٍ حتى عرفوا عنوانَهُ وسكنَهُ. فراقبوهُ إلى أنْ عثروا عليهِ يوماً فسحبوا مِنهُ جوالَهُ ومسحوا كلَّ ما فيهِ ثُمَّ أعادوهُ لَهُ وهدّدوهُ إنْ اقتربَ مِن أختهم مرةً أُخرى فلنْ يلومَ إلّا نفسَهُ، كانَ خائفاً جباناً يحسنُ التبجحَ على الفتياتِ فقط، فذهبَ دونَ رجعةٍ. رقَّ قلبُ الأُمِ لرؤيةِ ابنتها حزينةً باكيةً طوال اليومِ فكلّمَتْ إخوتها بِشأنِها حتى تعودَ للمدرسةِ، فوافقوا على ذلك..
لكنْ كانوا يراقبونَها من بعيدٍ، وأنغام تعلّمَتْ الدرسَ جيداً واجتهدَتْ وَحصلَتْ على أعلى الدرجاتِ فَكانَتْ أهلاً لعودةِ ثقةِ أهلِها بِها.

أم نرجس السعيدي/ ذي قار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار